الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

نسطور المبتدع

نسطور المبتدع
بطريرك للقسطنطينية وُلد في سوريا بمدينة مرعش وتربى في إنطاكية وهناك ترهّب بدير أيروبيوس، وقد تتلمذ على يدي ثيودوروس الميصي. اختير بعدما تم تعليمه ليكون شماسًا ثم قسًا في كاتدرائية إنطاكية، واشتهر بفصاحته وقوة عظاته. اختاره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ليكون بطريركًا للقسطنطينية، وعند ارتقائه لهذا المنصب الرفيع لم يحتمل عظمة المكانة الذي اختير لها، فسلك بالكبرياء والعظمة وأُعجب بذاته، حتى أنه في إحدى عظاته وجه خطابه للإمبراطور قائلاً: "استأصل أيها الملك معي الهراطقة، وأنا أستأصل معك جنود الفرس الأردياء. وبعد أن تقضي على الأرض حياتك السعيدة أضمن لك أخيرًا جنة الخلد في السماء". كان نسطور قبل جلوسه على كرسي القسطنطينية مملوء غيرة في الدفاع عن الإيمان المستقيم ضد الهراطقة، ولكنه للأسف تحول سريعًا وسقط في بدعته الشنيعة، وقد كان سقوطه عظيمًا، حتى قال عنه أحد المؤرخين: "إن نسطور حارب جميع الهرطقات ليمهد السبيل لهرطقته". أقنومان وشخصان وطبيعتان يمكن تلخيص المبادئ التي نادى بها نسطور في الآتي: 1. جعل في المسيح أقنوميّن منفصلين ومتمايزين، لذلك رفض عقيدة الاتحاد بين الناسوت واللاهوت كاتحاد حسب الطبيعة كاتا فيزين kata fuVin كما رفض الاتحاد الأقنومي Hypostatic union، أي رفض الوحدة بحسب الأقنوم بكونه اتحادًا يفوق الوصف والإدراك ولكنه اتحاد حقيقي لا يمكن أن ينفصل. الاتحاد الأقنومي يعني أن أقنوم الله الكلمة هو نفسه الذي وُلد من العذراء أو الذي تجسد من العذراء أو الذي أخذ جسدًا منها. ولهذا يكون في المسيح أقنوم واحد. ولا يوجد اتحاد أقنومي في الوجود كله إلا في تجسد كلمة الله. 2. اعتبار أن العلاقة بين اللاهوت والناسوت هي مجرد اتصال Conjoining (). 3. اعتبار أن الكلمة هو ابن الله، وأن يسوع هو ابن العذراء مريم. كان نسطور ينادي في بدعته أن في السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين، فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله، وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصلب ويموت يكون ابن مريم. 4. اعتبار أن الإنسان مُختار من الكلمة وقد أنعم عليه الله الكلمة بكرامته وألقابه، ولذلك نعبده معه بعبادة واحدة. أما تعليم القديس كيرلس يقول أنه لا يوجد شخص بشري اتحد به أقنوم الكلمة، وأن كلمة الله بحسب ألوهيته هو غير متألم ولكن ابن الله تألم بالجسد أو حسب الجسد. جاء بشخصه أي أن آلام الجسد هي آلامه هو. وهكذا نسب إلى شخصه الآلام والموت. بالاتحاد بكلمة الله غير المحدود صار الجسد المحدود يموت نيابة عن الكل... نقل كلمة الله إليه الجدارة أو الاستحقاق. كما أن ما يخص الجسد ننسبه إلى كلمة الله مثل الميلاد والآلام؛ هكذا ننسب غير المحدودية إلى الذبيحة على الصليب. 5. يرفض تسمية السيدة العذراء والدة الإله ويسميها "أم المسيح"... يرفض لقب "ثيئوتوكوس"، قائلاً أنها أم يسوع فقط. كما ينادى بـ "خريستوطوكوس" (والدة المسيح الإنسان). وبحكم منصبه كبطريرك القسطنطينية وبما له من نفوذ وجبروت بدأ ينشر بدعته الفاسدة في كل مكان مستعينًا ببعض الآباء الكهنة والأساقفة أيضًا. أما عن الشعب المسيحي في القسطنطينية فإنه لما سمع أقوال نسطور رفضها رفضًا تامًا لعدم اتفاقها مع كلمة الله المقدسة، وبدأوا يثورون ضد نسطور الذي ازداد في عناده وتصلّفه. كما حضر إليه جمع من الرهبان وبيّنوا له خطأ هذه التعاليم وانحرافها عن الإيمان المستقيم، فغضب عليهم وأمر بحبسهم في الكنيسة، كما أمر أتباعه بنزع ملابسهم وضربهم وإهانتهم، ثم أوثقوهم بعامود وراحوا يضربونهم على بطونهم. تدخل البابا كيرلس الكبير ولما اشتد الجدال في القسطنطينية بسبب هذا الأمر وصل الخبر إلى البابا كيرلس الكبير بطريرك الإسكندرية الذي اهتم بالدفاع وتثبيت اللقب التقليدي للعذراء وهو ثيؤتوكوس أي والدة الإله، باعتباره ليس لقبًا مجردًا يكرمها، إنما لأنه يحمل إعلانًا لعقيدة إيمانية جوهرية حول شخص السيد المسيح نفسه، بشأن اتحاد لاهوته بناسوته، مؤكدًا أن هذا هو التعبير واللقب التقليدي والكتابي الذي اختاره أثناسيوس الرسولي. انتهز البابا كيرلس فرصة عيد الفصح عام 428م وكتب في رسالته الفصحية ما يفند هذه البدعة وأرسلها إلى جميع الكنائس في كل مكان، كما أرسل رسائل كثيرة إلى نسطور، ملأها بالحجج الدامغة والبراهين القوية التي تظهر فساد هرطقته، لعله يقتنع ويرجع عن ضلاله. وأمام إصرار نسطور على رأيه ومعتقده عقد البابا كيرلس مجمعًا مكانيًا في الإسكندرية من أساقفة الكرازة المرقسية أدان فيه نسطور وشجب كل تعاليمه، وأرسل تقريرًا بما حدث في المجمع إلى سفرائه الموجودين في القسطنطينية وإلى كلستينوس أسقف روما، ثم إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس حين رآه يدافع عن نسطور حاسبًا إياه رجلاً فاضلاً عالمًا. يقول القديس كيرلس الكبير في رسالته إلى أكاكيوس أسقف ميليتين Melitene: [إنه يقسِّم الابن الواحد إلى ابنين. واحد منهما - ينظر إليه في انفصال عن الآخر - ويقول عنه إنه ابن ومسيح ورب، إنه الكلمة المولود من الله الآب. أما الآخر، وهو أيضًا في انفصال عن الآخر، يقول عنه إنه وُلد من العذراء القديسة؟[ (رسالة10:40) [عندما كان نسطور يعظ في الكنيسة كان يقول: "لهذا السبب أيضًا يُسمى المسيح (الله الكلمة) لأن له اتصال لا ينقطعUninterrupted conjoining مع المسيح". وأيضا يقول: "إذن فلنحفظ اتصال الطبيعتين الغير مختلِط unconfused conjoining of natures، ولنعترف بالله في الإنسان وبسبب هذا الاتصال الإلهي نوقِّر ونكرم الإنسان المعبود مع الله الكلى القدرة".] (رسالة 40: 12) من الواضح من الأقوال التي ذكرها القديس كيرلس عن نسطور أن نسطور قد علّم بابنين ومسيحين الواحد منهما الله والآخر إنسان، وقد نتج عن الهرطقة النسطورية أمران خطيران: أولاً: إنزال يسوع الناصري إلى مرتبة نبي أو إنسان قديس حلّ عليه أقنوم الكلمة بعد أن اختاره بسابق علمه وقوّاه. وقد رفض القديس كيرلس هذا التعليم الذي ظهر أثره بعد ذلك في القرن السابع الميلادي. ثانيًا: الشِرْك بالله في العبادة بأن يُعبَد إنسان مع الله بعبادة واحدة نتيجة أن الله قد أعطى هذا الإنسان كرامة مساوية لكرامة الله، وهذا قد فتح الطريق لرفض المسيحية بعد ذلك. أخيرًا قام البابا بعقد مجمع إقليمي آخر في الإسكندرية، عرض فيه كل المحاولات لمقاومة بدعة نسطور والرسائل التي كتبها في هذا الشأن، فكتب الآباء بدورهم لنسطور يوضّحون له اعتقادهم في الإيمان بالسيد المسيح، كما قدّم البابا كيرلس اثني عشر بندًا شرح فيها العقيدة المسيحية السليمة، وحرم فيها كل من يتعدّاها، وهي التي سميت فيما بعد "الحرومات الإثني عشر". إلا أن نسطور احتقر الرسالة والحرومات وقام بكتابة بنود ضدها، وهكذا انقسمت الكنيسة إلى قسمين: الأول يضم كنائس روما وأورشليم وآسيا الصغرى وهذه الكنائس أيّدت البابا كيرلس في رأيه، والثاني يضم كنيستي إنطاكية والقسطنطينية التي هي كرسي نسطور. مجمع أفسس أمام هذا الانقسام طلب البابا كيرلس من الإمبراطور ثيؤدوسيوس أن يعقد مجمعًا لدراسة الأمر، فاستجاب الإمبراطور لطلب البابا وأرسل لجميع الأساقفة بما فيهم نسطور لكي يجتمعوا في أفسس، وكان اجتماعهم يوم الأحد 13 بؤونة سنة 147 ش الموافق 7 يونيو سنة 431م. وقد انتهى المجمع بحرم نسطور ووضع مقدّمة قانون الإيمان. نفيه وحين وصلت قرارات المجمع إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ثبّتها، وأمر بنفي نسطور بعيدًا عن القسطنطينية. قرّر الإمبراطور نفي نسطور إلى ديره الأول أيروبيوس الذي نشأ فيه، كما نفى عددًا كبير من الأساقفة من أتباعه، ومكث هناك في الدير أربع سنوات. غير أنه لم يهدأ بل ظلّ ينفث سمومه بين الرهبان مما أغضب الإمبراطور، فأصدر أمره بإحراق جميع مؤلفاته ونفيه إلى بلاد العرب ثم أخميم، التي كانت عاصمة للإقليم التاسع من أقاليم جنوب مصر الـ22، حيث كان المسيحيون هناك شديدي التمسك بإيمانهم ولا يُخشى عليهم من وجوده مقيمًا بينهم. ظل مقيمًا هناك حتى مات منبوذًا مكروهًا من الجميع، ودُفن في أخميم سنة 450 م. وقد اعتاد أقباط أخميم أن يرجموا قبره بالحجارة، ويلقوا عليه القمامة والتراب حتى تكوَّن من ذلك كوم أو تل نسطور في النصف البحري الشرقي للمدينة. المطران الأنبا بيشوي: مذكرات في اللاهوت المسكوني

ليوكاديا العذراء الشهيدة

ليوكاديا العذراء الشهيدة
كانت فتاة من أشراف توليدو Toledo بأسبانيا، وأثناء اضطهاد دقلديانوس عُذِّبت بشدة بواسطة الحاكم الشرس داكيان Dacian الذي ألقاها بعد ذلك في السجن. أثناء ذلك سمعت بسيرة وآلام القديسة يولاليا St. Eulalia من مريده Merida، وتأثَّرت بها وصلَّت أن تُحسَب أهلاً أن تستشهد مثلها على اسم السيد المسيح. استجاب الله لطلبتها واستشهدت في السجن من جراء التعذيب الذي اجتازته، وكان ذلك حوالي سنة 304م. الشهيدة ليوكاديا هي الشفيعة الرئيسية لمدينة توليدو، وتكرست فيها ثلاث كنائس قديمة على اسمها: واحدة مكان قبرها والأخرى مكان سجنها والثالثة في موضع منزلها. Butler, December 9.

لعازر القديس


لعازر القديس
يروي الإصحاح الحادي عشر من إنجيل القديس يوحنا قصة إقامة السيد المسيح للعازر من الأموات، الذي كان من بيت عنيا وشقيق مرثا ومريم، وكانوا جميعًا أصدقاء للسيد المسيح الذي كان يحبهم. لا يروي لنا الكتاب المقدس شيء عن حياة لعازر بعد ذلك، ولكن بعض الروايات الغير مؤَكَّدة تقول أنه تبع بطرس الرسول إلى سوريا، إلا أن تقليد الكنيسة الشرقية يروي عنه أن يهود يافا Jaffa وضعوه هو وشقيقتيه وآخرين في سفينة بها تسرب ماء قاصدين إغراقهم، ولكن بقوة إلهية رست السفينة بسلام في جزيرة قبرص، حيث أقيم لعازر أسقفًا على كتيون (لارناكا) Kition (Larnaca)، وهناك تنيّح بسلام بعد نحو ثلاثين عامًا. وفي عام 890م بنى الإمبراطور لاون السادس Leo VI في القسطنطينية كنيسة ودير على اسمه، ونقل جزءً من رفاته إليها من قبرص. هناك أدِلّة وفيرة على أن ذكرى القديس لعازر كانت تُكرَّم في الأيام الأولى في أورشليم، ثم بعد ذلك في الكنيسة كلها. فتروي السيدة إثيريا (إيجيريا) Etheria التي ذهبت لزيارة الأراضي المقدسة سنة 390م عن موكب احتفالي في اللعازرية Lazarium - حيث أقيم لعازر من بين الأموات - وذلك في يوم السبت السابق لأحد السعف، وقد تأثرت إثيريا بسبب الجمع الغفير الذي ملأ المنطقة كلها. وفي ميلان بإيطاليا كان أحد البصخة يسمى Dominica de Lazaro، وفي أفريقيا كما نتعلم من القديس أغسطينوس كان إنجيل إقامة لعازر من الموت يُقرأ في عشية ليلة أحد السعف. حاليًا تقيم أغلب الكنائس الأرثوذكسية تذكارًا لإقامته في يوم السبت السابق لأحد الشعانين، أي حوالي أسبوع قبل عيد الفصح المسيحي. Butler, December 17.

حبيب فرج البار

حبيب فرج البار
شاب مستهتر نشأ في أسرة رقيقة الحال، كان عنيدًا وغمًا لوالديه، كرهه الجميع لأنه كان يسيء معاملة الكل. لما كبر وأخذ الشهادة الابتدائية كان نموذجًا للشاب المستهتر، وكان من يرى حبيب وهو في هذه الحال يحكم بلا جدال أنه أمام شيطان لا أمل في توبته وإصلاح حاله. توبته السماء ومجدها، كان يفتقده خدام الشباب بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا على غير جدوى، ومن كثرة تردد الخدام عليه قال لأحدهم ذات مرة: "أنا سآتي هذه المرة، لكن إن لم يعجبني الحال سوف لا أذهب ولا أريد أحدًا منكم يفتقدني". ذهب إلى اجتماع الشبان وعملت نعمة الله فيه، وحال سماعه كلمة الله انسحق قلبه بالتوبة والندامة. ومنذ ذلك الوقت أخذ حبيب يواظب على الكنيسة مواظبة المحب الشغوف الذي يود لو أمكنه أن يتجرَّع الدين جرعة واحدة. رؤيا إلهية زاده حبًا في الله رؤيا أُعلنت له، إذ أبصر وكأنه بيد السيدة العذراء التي أرَته مكانًا مخيفًا يتعذب فيه ساكنوه، فلما سألها عنهم قالت: "إنهم الأشرار". ثم أرَته قصرًا فخمًا نورانيًا عظيمًا وقالت: "هنا يتمتع الأبرار إلى أبد الآبدين"، وأرَته فيه كرسيًا بهيًا من نور أشد لمعانًا من ضوء الشمس، وقالت له: "إنه كرسيك وهو محفوظ لك إذا اتبعت يسوع". استيقظ حبيب من حلمه وهو أشد اضطرامًا نحو وكثيرًا ما سُمِع يصلي من أجل وصوله إلى السماء ليجلس فوق كرسيه المُعَد له. عبادته كان أمينًا في صلوات المزامير السبع. فكان في الصباح يصلي باكر والثالثة، وبعد عودته من عمله وقبل الغداء يصلي السادسة والتاسعة، وقبل خروجه من منزله بعد الظهر كان يصلي الغروب والنوم، وقبل أن ينام يتلذذ بصلاة نصف الليل. كان يمارس جميع أصوام الكنيسة إلى ساعة متأخرة جدًا، غالبًا إلى المساء، ومع أنه كان يجد اعتراضًا من والدته، لكن ذلك لم يضعف من عزمه. وقيل إنه كانت له أصوام خاصة يفرضها على نفسه أيام الإفطار (بإشراف أب اعترافه). وفي أصوامه كان يأكل مرة واحدة كل أربع وعشرين ساعة. وكان يمارس صوم يونان الثلاثة أيام كلها انقطاعًا، وصام في إحدى المرات أسبوعًا كاملاً، وقد فكر في أن يصوم الأربعين المقدسة دون طعامٍ مطلقًا لولا أن أب اعترافه انتهره. كان محبًا للكنيسة، محبًا لألحانها يرددها على الدوام، وكان متمسكًا بتُراثها. وشهد عنه أب اعترافه كيف كان أمينًا في اعترافه، وكيف كان يستعد للتناول من الأسرار المقدسة. وكان يبكر في المجيء إلى الكنيسة، ويظل واقفًا في آخر الكنيسة طوال القداس، وكان ضميره لا يساعده على ترك الكنيسة قبل نهاية الخدمة. كان يحب الخدمة في الأحياء الفقيرة بين البسطاء، وأسس فروعًا للخدمة في أماكن صعبة. كان ينهال عليه الصبية بالحجارة، ومع ذلك كان دائمًا فرحًا، كما كان مواظبًا على افتقاد من يخدمهم فردًا فردًا. نظرًا لالتصاق حبيب بمحبة الكنيسة وعدم مغادرتها في أيام الآحاد حتى تنتهي الخدمة، كان يتأخر عن الموعد المصرح به في العمل وهو العاشرة صباحًا، خاصة في أيام الصوم الكبير. رُفِع الأمر إلى رئيسه فاستحضره وكان يهدده. وفي ليلة اعتزم رئيسه أن يؤذيه فأتاه من أفزعه في منامه بأن لا يمس حبيب بسوءٍ، فنادى المدير حبيب في الصباح وأظهر له كل عطفٍ وحنانٍ. بتوليته اشتاق حبيب أن يعيش بتولاً. أراد مرة أن يلتحق بدير المحرق وكان معه صديقه. لكن رئيس الدير رفض قبولهما إلا بموافقة والديهما، وأعطاهما بعض النقود أوْصلتهما إلى المنيا، لكنهما كانا يريدان أن يعودا إلى القاهرة ولم يكن معهما نقود. قصدا أوتوبيس وسألا الكمساري أن يأخذهما مجانًا فسخر منهما، صليا إلى الله فأرسل لهما صديقًا بسيارته أخذهما معه إلى القاهرة. عرض عليه والداه الزواج فأبى، وألحّ عليه كثيرًا، وأحالا عليه أصدقاءه وبعض الكهنة ليقنعوه بالزواج فلم يقبل. انتهز والده فرصة وجود أحد الآباء الأساقفة، وهو المتنيح الأنبا باسيليوس أسقف إسنا والأقصر وأسوان، وكان قديسًا ورعًا، فشكاه له. وأمام إلحاح الوالد ودموعه عرض عليه الأب الأسقف الزواج فأطاع على شرط أن يعيش مع زوجته كأخٍ وأختٍ. فرح الجميع لموافقته، واختاروا له إحدى الفتيات ووزعوا المرطبات والحلوى، لكنه قال للحاضرين ما فُهِم منه أن هذا الزواج لن يتم، ولم يمضِ أسبوع حتى توفت العروس. فخجل الجميع أن يفاتحوه في هذا الشأن لأنهم أيقنوا أنها إرادة الله. أدرك بالحق سرَّ البتولية وكما يقول القديس كبريانوس: "البتولية هي رفيق العمل بالنسبة للإنسان. وهي تعينه في تحقيق هدفه من العواطف السامية... وأنا أعتبر أن البتولية هي المنهج العلمي في علم الحياة السمائية، تزود الإنسان بالقوة ليتحد مع الطبائع الروحية. وإن المحاولات المستمرة في هذه السبل تمنع نبالة النفس وسموها من الانحدار والهبوط عن طريق الشهوات الحسية التي فيها لا يحتفظ العقل بأفكاره السماوية ونظراته إلي ما فوق، بل يهبط غارقًا في انفعالات تتعلق بالجسد والدم. كيف تستطيع النفس الغارفة في ملذات الجسد والمنشغلة بالاشتياقات الإنسانية فقط أن توجه نظرة خالية من المشاغل إلي النور العقلي؟... إن عيني الخنزير اللتين تنظران دائمًا إلي أسفل لا تستطيعان رؤية عجائب السماء. وهكذا أيضًا النفس التي يدفعها الجسد إلي أسفل لا تستطيع أن ترفع بصرها لتري الجمال العلوي. إنها تتجه إلي الأشياء الوضيعة الحيوانية. إن النفس التي تريد أن تكرس نظرها إلي المباهج السماوية تضع ما هو أرضي وراء ظهرها، ولا تشترك فيما يورطها بالحياة الدنيوية. إنها تحيل كل قوي الحب فيها من الأمور المادية إلي التأملات العقلية في الجمال اللامادي. إن بتولية الجسد تفيد في اتجاهات مثل هذه النفس. فالبتولية تهدف إلي خلق نسيان كامل للشهوات الطبيعية في النفس، إنها تمنع عملية النزول باستمرار لتلبية الرغبات الجسمية. ومتى تحررت النفس مرة من مثل هذه الأمور لا تخاطر بالمباهج السمائية غير الدنسة لتكون جاهلة غير ملتفتة إليها وتمتنع عن العادات التي تورط الإنسان فيما يبدو إلي حد ما أن ناموس الطبيعة يسلم به… إن نقاء القلب الذي يسود الحياة هو وحده الذي يأسر النفس حينذاك" (البتولية 5). نياحته عرف وقت نياحته وأخبر كثيرين بذلك، وأوصى أخاه بطاعة والديه. ذهب إلى الترزي ليفصِّل حلة فقال له: "إن شاء الله هذه حلة الزفاف"، فأجابه حبيب قائلاً إنها الحلة التي سينتقل بها من العالم. فنهره الواقفون أما هو فقال لهم بلهجة الواثق: "سوف ترون، وفي هذا الأسبوع"، وتم ذلك حرفيًا، بل قيل أنه كتب بخط يده في مفكرة الجيب يوم نياحته والساعة. قضى ساعاته الأخيرة في ترنيم وتسبيح وصلوات ودعاء واستغاثة وطلب شفاعة القديسين، وظل هكذا حتى أسلم روحه الطاهرة. والعجيب أنهم لما غسَّلوا جسده فإذا به مرسوم بصلبان واضحة، وكانت نياحته في سنة 1941م.

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

ثاؤفيلس الراهب القديس

ثاؤفيلس الراهب القديس
كان ابن ملك إحدى جزائر رومية ولم يكن له ولد سواه فربًّاه أحسن تربية وهذًّبه بالآداب المسيحية. ولما بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة قرأ رسائل بولس فوجد في رسالته إلى العبرانيين مكتوبًا هكذا: "أنت يارب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك، هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى" (عب1: 1-32). وقرأ في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "حسن للرجل أن لا يمس امرأة، ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها، لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا، وأظن أنا أيضًا عندي روح الله" (1كو7: 1 و2 و7 و40). وقرأ أيضًا في الإنجيل المقدس قول سيدنا: "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبِع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعالَ اتبعني" (مت19: 21). فترك بيت أبيه وكل ماله وخرج متنكرًا وصار يتنقل من دير إلى دير إلى أن وصل إلى الإسكندرية، ومنها مضى إلى دير الزجاج. فلما رآه القديس بقطر رئيس الدير علم من النعمة التي فيه أنه من أولاد الملوك، فتلقاه ببشاشة وباركه ثم استخبره عن أمره فأعلمه به، فتعجب الأب ومجَّد الله وقَبِله في الدير، ولما رأى نجاحه في الفضيلة ألبسه الإسكيم المقدس. وبعد عشر سنين من ذلك أتى جند من قِبَل أبيه وأخذوه رغمًا عن رئيس الدير. فلما وصل إلى أبيه لم يعرفه لأن النسك كان قد غيَّره، فعرَّفه القديس بنفسه ففرح كثيرًا بلقائه، وشرع القديس في وعظ أبيه مبينًا له حالة الموت والحياة وهول الدينونة وغير ذلك حتى أثَّر كلامه في قلب والده. فنزع التاج عن رأسه تاركًا الملك لأخيه وذهب هو وامرأته والقديس ثاؤفيلس ابنهما إلى دير الزجاج حيث ترهب وأقام مع ولده، أما والدة القديس فقد ترهبت بدير الراهبات. وقد عاش الجميع بالنسك والعبادة وعمل الفضائل إلى آخر أيامهم. ولما أكملوا جهادهم الصالح تنيحوا بسلام. السنكسار، 13 طوبة.

شنودة البهنساوي الشهيد

شنودة البهنساوي الشهيد
وشي بعضهم به لدى الأمير مكسيموس المعيّن من قبل دقلديانوس بأنه مسيحي، فاستحضره وسأله عن معتقده. أقر بإيمانه بالمسيح وبأنه الإله الحقيقي، فأمر الجند أن يطرحوه على الأرض ويضربوه حتى تهرأ لحمه وجرى دمه على الأرض. ثم وضعوه في سجن كريه الرائحة. أرسل الرب إليه رئيس الملائكة ميخائيل فأبرأه من جراحاته، ثم شجعه وقوّاه وبشّره بنيل إكليل المجد، بعد احتمال ما سيحل به من العذاب الشديد. وفي الصباح التالي أمر الأمير الجند أن يفتقدوه فوجدوه واقفًا يصلي. ولما أعلموا الأمير بأمره وأبصره سالمًا بُهت وقال إنه ساحر. ثم أمر فعلّقوه منكسًا وأوقدوا تحته نارًا فلم تؤثّر فيه، فعصروه بالهنبازين وأخيرًا قطعوا رأسه وجسمه إربًا إربًا ورموه للكلاب فلم تقترب منه. وفي الليل أخذه المؤمنون وطيبوه بطيبٍ كثير الثمن ولفوه في أكفان غالية ووضعوه في تابوت ثم دفنوه. السنكسار، 14 برمهات.

صرابامون الأسقف الشهيد

صرابامون الأسقف الشهيد
مسيحيته ورهبنته هو أسقف نقيوس، وقد وّلد بأورشليم من أب اسمه إبراهيم بن لاوي بن يوسف أخي سمعان خال اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء من سبط يهوذا. عند ولادته سمّي سمعان على اسم جده. لما توفي والده اشتهى سمعان أن يصير مسيحيًا، فظهر له ملاك الرب وأمره أن يمضي إلى الأنبا يوحنا أسقف أورشليم الذي عرَّفه عن سرّ تجسد السيد المسيح، إلا أنه لم يجسر أن يعمّده بأورشليم خوفًا من اليهود، فظلّ متردّدًا فيما يعمل. ظهرت السيدة العذراء مريم لسمعان وعرَّفته أن يمضي إلى مدينة الإسكندرية ويذهب إلى القديس ثاؤنا بابا الإسكندرية السادس عشر. فمضى وصحبه في طريقه ملاك الرب في زي إنسان حتى وصل إلى الإسكندرية وقصد البابا ثاؤنا، ففرح به ووعظه وعمّده باسم صرابامون، وكما يقول البابا الكسندروس كاتب سيرته أن معناه "المولود في إيمان آبائه". انعكف علي دراسة الكتاب المقدس، وكان كثيرًا ما يتأمل في آلام السيد المسيح من أجل محبته للبشرية. كان يسنده في ذلك البابا ثاؤنا وتلميذه الشماس بطرس، الذي أحب صرابامون جدًا بسبب شغفه علي الدراسة وحبه للعبادة. كان يرى وجهه مشرفًا بالفرح والسرور، وكم كانت دهشته حين وجد صرابامون نفسه يشرح ما يغمض عن الشماس، كأن نبيًا أو إنجيليًا يفسر له الغوامض. أسرع الشماس إلي البابا يخبره بحكمة صرابامون وبامتلائه من المعرفة الروحية، وقدرته العجيبة على تفسير الكتاب المقدس، فتذكر البابا ما قاله الملاك بخصوصه وأعلم به كاتبه الشماس بطرس. رهبنته جاء بعض الآباء الرهبان من دير الزجاج يدعون البابا ثاؤنا ليرأس صلاة الفصح المسيحي (عيد القيامة). سأل صرابامون الشماس بطرس عن حياتهم إذ أعجب بهدوئهم وحكمتهم. ثم استأذن البابا ليذهب إلي الدير معهم، وهناك أحب الوحدة. وفي وقت وجيز حفظ العهد الجديد عن ظهر قلب بجانب ما حفظه من العهد القديم، وأيضا أقوال وعظات الكثير من الآباء القديسين، ولاسيما كتابات القديسين أغناطيوس النوراني وبوليكربس. مساعدة البابا ثاؤنا لما تنيح البابا ثاؤنا وأقاموا البابا بطرس خاتم الشهداء تذكر صديقه الروحي المحبوب صرابامون، أرسل فاستحضره ليساعده في أعمال البطريركية، خاصة في التعليم. لكنه إذ كان محبًا لحياة التأمل عاد إلي ديره، وكان البابا يستدعيه من وقت إلي آخر ليستمع إليه ويتمتع بمصاحبته إذ كان نور يشرق من وجهه. أسقف كرسي نقيوس بعد عشرة سنوات من باباوية القديس بطرس خاتم الشهداء خلا كرسي نقيوس بنياحة القديس يوحنا، فأرسل واستدعي الراهب صرابامون وسامه أسقفًا عليه، ففرحت به رعيته جدًا. أظهر الرب على يديه عدة آيات وعجائب، منها أنه كان بجوار مدينته برابي لعبادة الأوثان، فلم يزل يطلب من السيد المسيح حتى تهدمت وغطاها الماء واستؤصلت عبادة الأصنام من كرسيه. كما استأصل أيضًا بدعة سابيليوس الصعيدي، الذي كان يُعلِّم بأن الآب والابن والروح القدس أقنوم واحد. أفاض البابا الكسندروس في الحديث عن مقاومة القديس أنبا صرابامون لاتباع آريوس وميلاتيوس. صنع العجائب والمعجزات يقول البابا الكسندروس واضع سيرته: "صارت المدينة مثل أديرة الرهبان... هذا بالإضافة إلي العجائب والمعجزات التي تمّت علي يديه والتي لم تكن تنقص عن عجائب ومعجزات الرسولين بطرس وبولس. فقد كانوا يقدمون له المرضي والذين بهم أرواح شريرة، فكان المرضي ينالون الشفاء بمجرد الصلاة عليهم. وكانت الأرواح الشريرة تخرج صارخة مستغيثة ألا يعذبهم القديس بصلواته". اهتمامه بالأغنياء والفقراء صارت المدينة كأنها أسرة واحدة، فكان يحث الأغنياء علي العطاء للفقراء بسخاء، وكان الفقراء يأخذون ما يحتاجون إليه. استشهاده لما كفر دقلديانوس أعلموه بأن صرابامون الأسقف قد عطّل عبادة الأوثان بتعليمه فأمر بإحضاره إليه، فلما وصل إلى الإسكندرية مع الرسل قضى ليلته في السجن حيث قابله البابا بطرس وجماعة من الكهنة وصافحوه، فرأوا وجهه كوجه ملاك. ولما وصل صرابامون إلى الملك عذّبه بأنواع العذاب وكان السيد المسيح يقيمه بغير ألم. فلما رأى الملك إقبال الكثيرين على الإيمان بسببه أرسله إلى إريانا والي أنصنا لتعذيبه وقطع رأسه إن لم يرجع عن رأيه. واتفق أن كان إريانا بالإسكندرية فأخذه معه في سفينة، ولما وصلوا إلى نقيوس بلده وقفت بهم السفينة ولم يستطيعوا أن يحرّكوها، فأخذوا القديس وذهبوا به إلى بحري البلد وهناك قطعوا رأسه ونال إكليل الشهادة، فأخذ شعبه الجسد بكرامة عظيمة إلى الكنيسة. نبوته لإريانا قبل أن تسير المركب قال القديس صرابامون للوالي: "يا إريانا، إن السيد المسيح يدعوك إلي عرسه، فإذا دعاك أسرع ولا تتوان عن المضي إلي العرس. فسوف تجاهد وتنال إكليل الشهادة، وتغلب دقلديانوس بصبرك". سخر الوالي بهذه النبوة وحسبها ضعفًا حتى جاء الوقت الذي فيه قَبِل إريانا الإيمان المسيحي وصمّم أن يستشهد. أيها القديس صرابامون، من هو الحكيم الفهيم الذي يقدر أن يصف علوّ فضائلك، يا أيها المجاهد الشجاع. أي فيلسوف في الكلام يقدر أن يسطّر معجزاتك أيها اللابس الإله، القديس صرابامون؟! من هو الباحث الذي يقدر أن يفحص علوّ جهادك أيها الناطق بالإلهيات، الكامل في كل صلاح، الذي جاهد من أجل خراف السيد المسيح، وقبلت كمال الآلام لتهدي الكثيرين وتبعدهم عن طريق الضلال، متخذًا الرسول بولس قدوة لك، الذي أرشد الكثيرين وهداهم إلي طريق الحق اليقين؟! البابا ألكسندروس السكندري مخطوط رقم 214 لدير السريان ، نشره الراهب القس صرابامون الأنطوني.

قرياقوس أسقف البهنسا

قرياقوس أسقف البهنسا
مظالم السلطان الأشرف برسباي كانت مصر سنة 1420م تحت حكم السلطان الأشرف برسباي وكانت الضيقات والآلام على أشدها، لأنه حتى الذين جحدوا فاديهم جريًا وراء المناصب العليا وحب المال لم يكن جحودهم واقيًا لهم من غضب السلطان. ومقابل الظلم والجحود برز بعض الآباء الساهرين الذين جاهدوا إلى جانب البابا، في سبيل تقوية العزائم والصمود في وجه الضيقات. رعايته وكتاباته أبرز هؤلاء الآباء الأنبا قرياقوس أسقف البهنسا الذي لم يكتفِ بافتقاد شعبه ووعظه وتوجيهه، بل وضع الميامر العديدة في قيامة رب المجد وفي لجوء العائلة المقدسة إلى مصر، وفي مديح السيدة العذراء، وفي مديح الشهيد بقطر الذي كان من مدينته. السنكسار الأمين، 5 طوبة.

جاورجي القديس

جاورجي القديس
القديس جاورجي رفيق القديس ابرآم ولد هذا القديس من والدين مسيحيين قديسين وكان يرعى غنم أبيه. ومال قلبه إلى الرهبنة فترك رعاية الغنم وكان عمره وقتئذ أربع عشر سنة. وقصد برية القديس مقاريوس وحدث وهو سائر في الطريق أن تراءى له الشيطان في زي شيخ وقال له: إن أباك ظن أن وحشا ضاريا قد افترسك فشق ثيابه حزنا عليك والواجب أن تعود إليه لتطيب قلبه أولا ثم تعود إلى البرية. فدهش القديس لذلك وفكر في نفسه وقال: إن الكتاب المقدس يقول "من أحب أبًا أو أُمًا أكثر مني فلا يستحقني". فلما قال هذا صار الشيطان مثل الدخان وتوارى من أمامه. وللوقت ظهر له ملاك الرب في زي راهب وأرشده إلى دير الأنبا أوريون. فأقام فيه تحت إرشاد أحد الرهبان القديسين مدة عشر سنوات لم يذق طعاما مطبوخا ولا فاكهة. ثم رأى أن ينفرد في البرية الداخلية فذهب إلى دير القديسين مكسيموس ودوماديوس باسقيط مقاريوس. واتفق أن حضر في نفس الوقت إلى هذا الدير القديس ابرآم. فذهبا معا إلى دير القديس مقاريوس واجتمعا بالقديس يوأنس قمص شيهيت فأسكنهما في قلاية قريبة منه تُعرف بقلاية بجيج وفيها تنيح الأنبا ابرآم ثم تنيح بعده الأنبا جاورجي وكانت جملة حياته اثنين وسبعين سنة. وقد وردت سيرته وسيرة القديس ابرآم في هذه السلسلة تحت "ابرآم وجاورجي". السنكسار، 18 بشنس.

خائيل الأول البابا السادس والأربعون

خائيل الأول البابا السادس والأربعون
سيامته بطريركًا كان هذا الأب راهبًا بدير القديس مقاريوس وكان عالمًا زاهدًا. فلما تنيح سلفه البابا ثاؤذوروس الخامس والأربعون اجتمع أساقفة الوجه البحري وكهنة الإسكندرية في كنيسة الأنبا شنودة بمصر، وادعوا بأن لهم وحدهم حق الانتخاب بينما قام فريق آخر يدعي خلاف ذلك. وحصل خلاف بينهم على من يصلح للبابوية. وأخيرًا استدعوا الأنبا موسى أسقف أوسيم والأنبا بطرس أسقف مريوط. ولما حضرا وجد الأنبا بطرس تعنتًا من كهنة الإسكندرية، فزجرهم على ذلك وصرف الجمع هذه الليلة حتى تهدأ الخواطر. ولما اجتمعوا في الغد ذُكر اسم القس خائيل بدير القديس مقاريوس، فارتاحوا إلى اختياره بالإجماع، وحصلوا على كتاب من والي مصر إلى شيوخ برية شيهيت (وادي النطرون). ولما وصلوا إلى الجيزة وجدوا القس خائيل قادمًا مع بعض الشيوخ لمقابلة الأمير حفصا لكي يعفيهم من الضرائب، فامسكوه وقيدوه وساروا به إلى الإسكندرية، ورسموه بطريركًا في 17 توت سنة 460ش (14 سبتمبر سنة 743م). وحدث أن امتنع المطر عن الإسكندرية مدة سنتين، ففي هذا اليوم سقطت أمطار غزيرة لمدة ثلاثة أيام فاستبشر السكندريون من ذلك خيرًا. دَعى نفسه " خائيل" أي "الأخير"، ولم يرضَ أن يُدعَ ميخائيل تواضعًا منه حتى لا يكون اسمه كاسم رئيس الملائكة. شدائده في عهد خلافة مروان آخر خلفاء الدولة الأموية وولاية حفص بن الوليد جرت على المؤمنين في أيام هذا الأب شدائد عظيمة وهاجر البلاد المصرية عدد كبير من المؤمنين، كما بلغ عدد الذين أنكروا المسيح أربعة وعشرون ألفًا، وكان البطريرك من جراء ذلك في حزنٍ عظيمٍٍ جدًا إلى أن أهلك الله من كان سبب ذلك. بسبب شدة الضيق هرب بعض الأساقفة إلى الأديرة، فعقد البابا مجمعًا قرر فيه ضرورة استمرار الأساقفة في ايبارشياتهم، وحرم من يتجاوز هذا الحكم. خلاف مع الملكيين (البطريرك التابع لبيزنطة) بعد سيامته بمدة وجيزة تقرب قوم من الملكيين (الروم) عند الخليفة مروان، ودفعوا له مالاً وحثوه على إصدار أمر إلى عبد الملك بن موسى بمصر لكي يسلمهم دير القديس مارمينا بمريوط، وكانت في يد الأقباط الأرثوذكس. فلما عادوا إلى مصر سلموا الأمر إلى عبد الملك، فعقد مجلسًا تحت رئاسة قاضٍ يدعى عيسى للنظر في ملكية الدير، ودعا الفريقين لكي يدافع كل منهما عن حقه. فجمع البابا أشهر أساقفته وعلماء كنيسته وعرض عليهم صورة أمر الخليفة وكلفهم بالحضور في مجلس القضاء. لكن الملكيين رشوا القاضي، فكان يماطل ولا يستمع إلى الأقباط الأرثوذكس. وبينما كان يستعد لكتابة تقريره في صالح الملكيين عُزل من منصبه وتعين قاضٍ آخر يُدعى أبو الحسيني، وكان عادلاً لا يحابي الوجوه فقدم الحقيقة إلى عبد الملك واستمر الدير في حوزة الأقباط. بين ملك النوبة وأسقفها في دنقلة بالنوبة حدث خلاف بين قرياقوص الملك والأنبا إبراهيم أسقفها، وذلك لأن الأسقف حاول ردع الملك عن تصرفاته الشريرة. اغتاظ الملك وطلب من البابا السكندري قطع الأسقف وإلا يدفع بالشعب إلى عبادة الأوثان. خشي البابا من ضياع شعب النوبة كله فاستدعى الأسقف وعقد مجمعًا لدراسة الموقف. فرأى الكل أن يبقى الأسقف بالإسكندرية ويبعثون بأسقفٍ آخر للنوبة حتى يهدأ الملك. شعر الأسقف إبراهيم بأن الحكم فيه ظلم فترك الإسكندرية وذهب إلى أحد الأديرة بالنوبة حتى نهاية حياته هنا. قرياقوس ملك النوبة لاقى هذا الأب البطريرك مصائب شديدة من عبد الملك بن مروان، كالضرب والحبس والتكبيل بالحديد. فقد وضع رجليه في خشبة عظيمة وطوق رقبته بطوق حديد ثقيل، وكان معه أنبا موسى أسقف أوسيم وتادرس أسقف مصر وغيرهما، فوضعوهم في خزانة مظلمة نُقرت في صخر لا تصل إلها أشعة الشمس، واستمروا في هذا الضيق من 11 توت إلى 12 بابه، وكان أيضًا معهم ثلاثمائة من الرجال والنساء. في وسط هذا الضيق كان المرضى يأتون إلى البابا في السجن يصلي من أجلهم وينالون نعمة الشفاء. كما اهتم البابا بالمسجونين، فتاب كثيرون ورجعوا إلى الرب. أطلق الوالي سراحه فمضى إلى الصعيد وعاد بما جمعه إلى الوالي بالرغم من الظروف المالية الصعبة التي اجتازها المصريون بسبب الضرائب الفادحة، وكان البابا يعبر بينهم كملاك الرب، يشفي مرضاهم خلال نعمة الله الفائقة. فأخذه منه ثم ألقاه في السجن. فلما علم بذلك قرياقوس ملك النوبة استشاط غضبًا وجهز نحو مائة ألف جندي وسار إلى القطر المصري واجتاز الصعيد قاتلاً كل من صادفه من المسلمين حتى بلغ مصر، فعسكر حول الفسطاط مهددًا المدينة بالدمار. فلما نظر الوالي عبد الملك جيوش قرياقوس منتشرة كالجراد جزع خوفًا وأطلق سبيل البطريرك بالإكرام والتجأ إليه أن يتوسط في أمر الصلح بينه وبين ملك النوبة، فلبى دعواه وخرج بلفيف من الإكليروس والتقى بالملك، وطلب منه أن يقبل الصلح مع عبد الملك، فقبل وانصرف من حيث أتى. أكرم عبد الملك المسيحيين ورفع عنهم الأثقال وزاد في اعتبارهم. شفاء ابنة الوالي عبد الملك صلى البطريرك على ابنة الوالي وكانت تعاني من روح نجس وخرج منها الروح بصلاته. مناظرات بينه وبين قزما بطريرك الملكيين عن الاتحاد حدثت مناظرات بين هذا الأب وقزما بطريرك الملكيين عن الاتحاد، فكتب إليه الأب خائيل رسالة وقع عليها مع أساقفته قائلاً: "إنه لا يجوز أن يُقال إن في المسيح طبيعتين مفترقتين بعد الاتحاد ولا اثنين ولا شخصين". واقتنع قزما بذلك ورضى أن يصير أسقفًا على مصر تحت رئاسة الأب خائيل. تجديد الاضطهاد لم تستمر فترة الراحة طويلاً إذ حضر مروان إلى مصر ونكث هو وعبد الملك عهدهما مع الأقباط، وأخذا في اضطهادهم بقسوة بربرية. اضطر الأقباط إلى الثورة حتى هزموا جيش مروان، لكن مروان استجمع قواته وقاتلهم بشدة وقبض على البابا السكندري وبطريرك الروم، فدفع الأخير ألف قطعة ذهب بينما لم يكن لدى البابا ذات المبلغ. ثقل رجليه بقطعة من الحديد وألقاه في السجن وابتدأ يعذبه تسعة أيام ثم أحضره وجذبه بيده وطرحه وصار يضربه بقضيب في يده مائتين مرة ثم أمر الوالي بضرب عنقه، لكنه عدل عن ذلك. طلب منه أن ينصح البشامرة الثائرين من الأقباط بالتوقف عن مقاتلته، لكن البشامرة ثاروا بالأكثر. في سنة 751م دخل أبو العباس مصر بجيش زاخر للاستيلاء على الحكم من يد مروان، وكان الأقباط في ضيق شديد فانحازوا إليه وطلبوا مساعدته. عسكر أبو العباس على شاطئ النيل في البر الشرقي تجاه مروان الذي كان مازال قابضًا على البابا وبعض الأساقفة. وأمر الجند أن يهينوا البابا من الجانب الآخر للنيل وينتفون شعر لحيته كما قاموا بتعذيب الأنبا موسى أمام الأقباط. في اليوم التالي أحضر البابا ومعه الأساقفة ومجموعة من الشعب وتركهم في الشمس عشرة ساعات ثم بدأ في تعذيبهم بقسوة شديدة، حتى كان الأقباط ومعهم المسلمون في البر الشرقي يبكون بمرارة. وكان البابا يصلي ويثبّت المؤمنين. لم يحتمل عبد الله بين مروان المنظر، فسكب دموعًا كثيرة أمام أبيه لكي يطلق سراحهم، قائلاً له بأنه لن يقدر على مقاومة الخراسانيين وسيضطر إلى الذهاب إلى السودان، هناك أولاد هذا البطريرك لن يقبلوه. تطلع مروان إلى جيش الخراسانيين فانزعج جدًا واضطر إلى إعادة البابا ومن معه إلى المعتقل بالجيزة، وأدخلهم موثقين في أربعة سجون في ضيقٍ شديدٍ حتى أشرفوا على الموت، لكن البابا كان يعزيهم. عبر الخراسانيون إلى الضفة الغربية وهزموا مروان، فهرب بينما ذهب ابنه ليحرق السجن الذي فيه البابا، لكن ما أن أشعل النار حتى أكرهه الأعداء على الهروب. أطفأوا النيران وأطلقوا المسجونين وجاءوا بهم إلى كنيسة مارمرقس بالجيزة. شدة جديدة إذ استولى أبو العباس على مصر أحسن معاملته مع المسيحيين، غير أن هذه الراحة لم تدم سوى أربع سنوات مرت كالحلم. وبسفر أبو العباس وترك الولاية لآخرين أساءوا التصرف، وصاروا يضايقون الأقباط من جديد. حاول البابا أن يذكرهم بما أظهره أبو العباس من آمان لهم لكنه لم ينجح، واستمر المسيحيون في مرارة حتى شوهدت مياه النيل ناقصة عن منسوبها المعتاد ذراعين. رفع منسوب مياه النيل أقام الأساقفة مع البابا صلوات عيد الصليب وتقدموا مع جميع كهنة الجيزة وأهل الفسطاط وحملوا الأناجيل والمباخر ودخلوا كنيسة مار مرقس واكتظت الحقول والحدائق حولها بالشعب. تقدم البابا ورفع الصليب وصلى الكل، وكان الشعب يصرخ: "يا رب ارحم" لمدة ثلاث ساعات، فزاد النيل ذراعًا. سمع الوالي بذلك فأرسل علماء المسلمين وحاخامات اليهود وصلوا فلم يرتفع مقياس النيل. اضطر أن يدعوا النصارى للصلاة، حيث أقام البابا الأسرار الإلهية وألقوا بمياه غسل الأواني في النهر في الساعة السادسة من النهار، فزادت المياه حتى بلغت ثلاثة أذرع، فأحب الوالي أبوعون الأقباط. خلاف مع كنيسة إنطاكية كانت زوجة المنصور أبي جعقر عاقرًا فسمعت عن تقوى اسحق أسقف حاران وعمله العجائب فاستدعته وصلى من أجلها فوهبها الله طفلاً، فصار الأسقف اسحق موضوع الإكرام والتبجيل. وإذ تنيح يوحنا بطريرك إنطاكية سأل الأنبا اسحق الوالي أن يخلفه فأجابه طلبه حالاً وهدد من يعترض ذلك. قيل أنه تسبب في قتل مطرانين رفضا أن لا يترك الأسقف ايبارشيته ليصير بطريركًا. بناء على طلب الأنبا اسحق كلف الخليفة والي مصر أن يحقق طلبات البطريرك الأنطاكي الجديد، كما بعث البطريرك رسالة إلى البابا خائيل في صحبة مطراني دمشق وحمص وكاهنين. عقد البابا مجمعًا لمدة شهر وقرروا ألا يشترك البابا مع بطريرك أخذ رتبته بقوة السلطان. وكان أمام البابا أحد اختيارين، إما مصادقة البطريرك اسحق أو الذهاب لمقابلة الخليفة. وإذ كان البابا يستعد للسفر وهو شيخ، متحملاً مشقة الطريق إذا بخبر انتقال اسحق من العالم قد حلّ المشكلة. كانت أيامه الأخيرة في سلام بعد أن أقام على الكرسي ثلاثة وعشرين عامًا، إذ تنيح في 16 برمهات سنة 468 ش (767م). القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، الجيل الثامن.


راغب ساويرس الأرشيدياكون

راغب ساويرس الأرشيدياكون
نشأته وُلد في 15 أغسطس سنة 1902م من أبوين متواضعين ولكنهما ممتلئان نعمة ومحبة وتعلقًا بالكنيسة. كانت ساقه اليمنى أقصر من اليسرى وأقل مقدرة على الحركة منذ ولادته، فاضطر إلى أن يتوكّأ على عكازين طويلين. ولما كان هو الولد الوحيد فقد كان أبوه يصحبه دائمًا إلى الكنائس وإلى الاجتماعات الروحية، ويكشف له في سيرهما معًا عن اشتياقه أن يراه خادمًا للفادي الحبيب، عاملاً في كرمه. منذ الثامنة من عمره أخذ يتعلم الألحان الكنسية، وقد حفظ راغب الألحان والمردات بسرعة إذ كان قلبه منفتحًا للنعمة الإلهية. ولما بلغ الخامسة عشر من عمره أدخله أبواه مدرسة العرفاء، فذهب إليها فَرِحًا على الرغم من مشقة الطريق ما بين مصر القديمة حيث كان يسكن ومهمشة التي تقع المدرسة فيها. وإذ كان سليم العينين جعل من نفسه العين لرفقائه المكفوفين، فكان يقضي لهم كل حوائجهم، وينتقل بجسمه النحيل على عكازيه مسافات بعيدة عطفًا وحنانًا. وهكذا قضى أربع سنوات الدراسة وتخرج سنة 1919م. وقد أجاد الألحان والمدائح والقداسات، ومنحه الله صوتًا عذبًا حنونًا فكان كل من يعرفه يشتاق إلى سماعه. عمله كترزي لما كان محتاجًا إلى كسب رزقه فقد اشتغل ترزيًا مع أن يده اليمنى كانت هي أيضًا أضعف من اليسرى. فاشتغل أولاً مع زميل في دكانٍ واحدٍ بالقرب من الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية. ولما استطاع أن تكون له دكان بمفرده اختارها على مقربة من حارة زويلة، فكان يذهب إلى الكنيسة كلما سنحت له الفرصة. ولأن قلبه كان ملتهبًا بمحبة فاديه فقد انضم فور تخرجه إلى خدام المذبح بكنيسة الأمير تادرس بآخر مصر القديمة. ولما سمعه بعض أعضاء جمعية المحبة يترنم بالألحان بدقة وأصالة وخشوع طلبوا إليه الانضمام إلى جمعيتهم فقبل طلبهم. اهتمامه بالضالين أسس "جمعية أبناء الرسل" وكان نشاط هذه الجمعية حيويًا، إذ استهدف أعضاؤها البحث عن الضالين وردهم للكنيسة، ومصالحة العائلات المتخاصمة، إلى جانب خدمة الشماسية. وكان راغب بعكازيه وجسمه الهزيل يذهب وراء الضال ولو اضطر إلى الذهاب إليه في منتصف الليل وفي الأدوار العليا من غير مصعد. قسّم هو وأعضاء الجمعية أنفسهم للوعظ في القرى القريبة والأحياء الفقيرة المحرومة من كنيسة أو من الرعاية. ومع كل هذا النشاط فلم يعش هذا الخادم الأمين سوى أربع وأربعين سنة وتنيح بسلام في 14 فبراير سنة 1945م. السنكسار الأمين، 7 طوبة. قصة الكنيسة القبطية، الكتاب السادس (أ) صفحة 186.

دابامون الشهيدة

دابامون الشهيدة
هروب ورشنوفة من الأسقفية كان إنسان يدعى ورشنوفة طُلب للأسقفية فهرب إلى طحمون، فاستضافه أخوان. في تلك الليلة ظهر له ملاك الرب قائلاً: "لماذا أنت نائم والجهاد قائم والأكاليل معدة؟ قم انطلق إلى الوالي واعترف بالسيد المسيح لتأخذ إكليل الشهادة". ولما استيقظ قص الرؤيا على الأخوين، فاتفقوا جميعًا على نيل الشهادة، وذهبوا إلى الوالي واعترفوا أمامه باسم السيد المسيح. رفقة دابامون للقديس ورشنوفة واستشهادها ألقاهم الوالي في السجن، ثم أخذهم معه من بنشليل إلى سنهور، وعرض عليهم التبخير للأوثان فأبوا. فعذبهم وكان الرب يرسل ملاكه ويعزيهم، ومن هناك توجه بهم إلى صا، حيث أعلمه كهنة الأصنام عن امرأة بناحية دجوة تدعى دابامون تقاوم الآلهة الوثنية. كانت هذه المرأة صالحة محسنة ولها ابنة تدعى يونا وكانتا تنسجان الأقمشة وترسمان عليها الرسوم الجميلة وتتصدقان بما يفضل عنهما. أرسل إليها الوالي سيافًا يدعى أولوجي، هذا إذ رأى منها حُسن السيرة ومنظرها الملائكي امتنع عن قتلها، وأخذها معه إلى الوالي، وهناك اجتمعت بالقديس ورشنوفة ورافقته. فعذبها الوالي كثيرًا وأمر بعصرها بالهنبازين، وكان الرب يقويها ويعيدها صحيحة. في أثناء ذلك اعترف أولوجي - السياف الذي أحضرها - بالسيد المسيح، فقطعوا رأسه ونال إكليل الشهادة. أما الوالي فلما تعب من تعذيب القديسة دابامون أمر أن تُضرب رقبتها خارج المدينة. فخرجوا بها والنساء حولها باكيات، أما هي فكانت فرحة مسرورة، فقطعوا رأسها ونالت إكليل الشهادة. السنكسار، 10 بؤونة.

لاكتانتيوس الأفريقي

لاكتانتيوس الأفريقي
مدافع أفريقي لاتيني أنجبت كنيسة أفريقيا اللاتينية (شمال غرب أفريقيا) سلسلة من المحامين أو الخطباء المدافعين عن المسيحية، قبلوا الإيمان عن اقتناع، وكتبوا بغيرة متقدة للدفاع عن هذا الإيمان. كتب باللغة اللاتينية في وقت لم يكن بعد ظهر أحد من المدافعين في روما. دُعي بشيشرون المسيحي Christian Cicero، وقد حاول تقديم الإيمان في إطار منهجي باللغة اللاتينية، لكنه لم يكن باللاهوتي الأصيل. تحمّس للاستشهاد وللفضائل المسيحية، خاصة محبة الله والقريب، فقدم المسيحية كنوعٍ من الأخلاقيات، دون التركيز على عمل المسيح الخلاصي، أو علي النعمة الإلهية، إنما ركّز علي الفلسفة. نشأته وُلد لوسيوس كاليوس فيرميانوس لاكتانتيوسLucius Caellus (Caellius) Firmanus Lactantius في أفريقيا. تتلمذ على يدي أرنوبيوس. تدرّب علي علوم البلاغة اللاتينية، وكتب أول أعماله "الوليمة" Banquet (Symposium) وهو شاب صغير. ذهابه إلي نيقوميدية استدعاه الإمبراطور دقلديانوس (284-304م) إلى نيقوميدية في بيثينية، العاصمة الجديدة للشرق، واستدعي معه فلافيوس البليغ (فلاديوس النحوي) Flavius the Grammarian لتدريس البلاغة اللاتينية. لكنهما لم يوفّقا في هذا العمل لكونها مدينة يونانية، ولم يُقبل كثيرون تعلّم اللاتينية. بقي أستاذًا في نيقوميدية وانصرف إلى الكتابة حتى اندلعت نيران الاضطهاد سنة 303م، فترك منصبه لأنه قد صار مسيحيًا. ترك بثينية ما بين عامي 305 و30. في تريف استدعاه الإمبراطور قسطنطين الكبير حوالي عام 313م وهو في سنٍ طاعنٍ، من أفريقيا اللاتينية إلي تريف أو تراوس Tréve بفرنسا لتهذيب كريسبوس أكبر أبنائه. إذ لم يجد في كل أنحاء المملكة من يصلح ليكون معلمًا له مثل لاكتانتيوس. كتاباته 1. عن خليقة اللهOn God`s Workmanship (De opificio dei) : قدمه لتلميذه الثري ديمتريانوس، فيه أكد أن الجسد الإنساني بنظامه العجيب لا يمكن إلا أن يكون من صنع كُلي الكمال، وأنه موضع عناية الله. ا. في المقدمة (2-4) قارن بين الإنسان والحيوان، فالله لم يهب الإنسان قوة جسدية كبعض الحيوانات، لكنه وهبه عقلاً وفهمًا. ب. فيه يعد بأن يكتب عملاً يشبه الجمهورية للفيلسوف شيشرون، ويبدو أنه كتبه مع نهاية عام 303 أو بداية 304م. 2. القوانين أو المبادئ الإلهية The Divine Institutes (Divinae institutione): يضم سبعة كتب، ويعتبر العمل الرئيسي، وهي أول محاولة لتقديم ملخص للفكر المسيحي باللاتينية. ا. فيه أوضح بطلان الديانة الوثنية وأفكارها وصحة الإيمان والعبادة المسيحية. ب. ختمه بالكتاب السابع عن الحياة السعيدة، حيث يتحدث عن الحياة الإنقضائية ويصف مكافأة الذين أرضوا الرب. 3. الملخص The Epitome (In Libus uno accephalo): جاء في أغلب المخطوطات ملحقًا للعمل السابق، وجهه لبنتاديوس Pentadius. 4. غضب الله The Anger of God (De ira dei): ا. فيه رد علي الإبيقوريين الذين يرون في الله كائنا جامدًا منعزلاً عن العالم، لا يبالي بتصرفات الإنسان. أوضح أن هذا الفكر الأبيقوري يجحد العناية الإلهية، بل وينكر وجود الله نفسه. كما أوضح أن العناية الإلهية تستلزم أن يغضب الله علي صانعي الشر مع محبته وترفقه بالإنسان. ب. قدمه لشخص يدعي دوناتوس Donatus . 5. موت المضطهدين (De mortibus persecutorum) The Death of the Persecutors: ا. كتبه بعد حلول السلام في الكنيسة وانتهاء موجة الاضطهاد، فيه يثبت أن كل مقاومي الكنيسة نالوا نهاية مريعة. ب. أوضح المصير المر لنيرون ودوميتيان وفاليريان وأوريليان ودقلديانوس ومكسيميانوس. ج. يسوده جو من الفرح بنصرة السيد المسيح، ويُحسب أحد المصادر الهامة عن اضطهاد دقلديانوس كشاهد عيان. 6. طائر العنقاءThe Phoenix (De eve phoenice) : كتب قصيدة يروي فيها قصة العنقاء الشهيرة، وكان المؤرخ هيرودت أول من رواها، واستخدمها القديس اكليمنضس الروماني كرمز للقيامة. 7. توجد أعمال مفقودة: مثل الوليمةSymposium ودليل الرحلةThe Hodoeporicum or Itinerary وهو عبارة عن وصف لرحلته من أفريقيا إلي نيقوميدية، وكتاب في قواعد النحو. آراؤه اللاهوتية يرى كثير من الدارسين أن لاكتنيوس نادى بالثنائية: ابن على مثال الله كامل كل الكمال، وكائن آخر لم يبقَ أمينًا لأصله الإلهي، هذا انتقل من الخير إلى الشر، فأمسى شيطانًا عدوًا للّه، مصدر كل فسادٍ. اعتقد بمبدأين متناقضين متعادين هما النور في السموات والظلام على الأرض. الإنسان: هو مزيج من عنصرين متعادين، النفس من الله ولله، والجسد من الأرض للشيطان. يلد الجسم جسمًا آخر بالتعاون مع جسمٍ ثانٍ، ولكن النفس لا تلد نفسًا، فهي من خلق الله مباشرة، تدخل جسم الجنين وهو في بطن أمه. النفس خالدة لأنها من الله الخالد، وهي لا تموت، إنما تبقى في عذاب أليم إن كانت شريرة. 1. الخير والشر: كل من منهما من طبيعة مختلفة. الله قادر أن يمحو الشر، لكنه يتركه لتزكية الخير، فكما أنه لا نور بدون ظلام، هكذا لا توجد فضيلة بدون وجود الرذيلة. 2. الثالوث القدوس: يقول القديس جيروم أنه قرأ رسائله إلى ديمتريانوس الضائعة، فيها ينكر وجود الأقنوم الثالث، فيربطه تارة بالآب وأخرى بالابن. آباء الكنيسة (باترولوجي) ترجمة الدكتور أسد رستم.

غالي المعلم

غالي المعلم
جمع الضرائب كان كاتب محمد بك الألفي أحد أمراء المماليك، ثم أسند إليه محمد علي منصبًا كبيرًا بعد غضبه على المعلم جرجس الجوهري، وكان المعلم غالي يسهل لمحمد علي أمر تحصيل الضرائب، ولكن هذا الأمر انقلب وبالاً عليه في النهاية. فكان جشع محمد علي في تحصيل الضرائب لا يقف عند حد، فقد طلب الباشا محمد علي من المعلم غالي ألف كيسًا، فقسم جمعها على المباشرين والكتبة وجمعها في أقرب وقت. محمد علي يغدر به كان جمعها بسرعة موجبًا لغير ما كان يتوقعه المعلم غالي، وسببًا في جلب الغدر عليه وعلى غيره، فإن الباشا بعد قليل أمر بمحاصرة بيته، وبيت المعلم جرجس الطويل، وأخيه حنا، وفرنسيس أخي المعلم غالي، والمعلم فلتاؤس، واثنين آخرين وأخرجوهم من منازلهم بصورة منكرة وسمّروا دورهم، وأخذوا دفاترهم وحبسوهم، وبعد أيام أفرج عنهم على شرط أن يدفعوا سبعة آلاف كيس فقاموا بدفعها. ولم تمضِ سبعة شهور حتى قبض عليهم ثانية وحبسهم في القلعة وختموا على دورهم، ثم عفا عنهم وأعاد المعلم غالي إلى منصبه، على شرط أن يدفعوا أربعة وعشرين ألف كيسًا. وتكرر حدوث ذلك من محمد علي، فكان يغضب عليه تارة ويعزله من منصبه ويرميه في السجن ويضربه مئات الكرابيج، ثم يعيده إلى منصبه بعد دفع مبلغٍ طائلٍ. وعندما أراد محمد علي تغيير هيئة الدواوين واستبدالها بغيرها، لتكون أقدر منها وتفوقها في النظام، حتى تعود بالفائدة على الخزينة، لم يتردد في الإفراج عن المعلم غالي والاستفادة من خبرته وكفاءته، مادام هذا يعود بالفائدة على الخزينة. وبعدما كلّف المعلم غالي بذلك، قسم المعلم غالي البلاد إلى مديريات وأقسام، والأطيان إلى أحواض، وابتكر أشياء كثيرة وحسابات تحقق مقدارًا وافرًا من المال، ولذلك يُنسَب للمعلم غالي تأسيس مصلحة المساحة، كما كان له دوره في تشجيع صناعة الأسلحة محليًا. ومن أعماله الجليلة أيضًا اقتراحه على محمد علي حفر قناة بين بحر الروم وبحر العرب ولكنه لم ينفذ. ونتيجة لنجاحه الكبير قابله محمد علي بالرضا وأثنى عليه ومن ثمَّ اتخذه كاتمًا لسره وخصّه مباشرة الأعمال الحسابية التي ابتكرها، فكانت يده فوق يد الجميع حتى حكام الأقاليم. أطلق إبراهيم باشا رصاص مسدسه عليه استمر المعلم غالي في هذا المنصب حتى مايو سنة 1882م، حين أطلق إبراهيم باشا رصاص مسدسه عليه في مدينة زفتى، أمام ابنه طوبيا فخرّ صريعًا. وهكذا ألقى المعلم غالي جزاء أمانته ووطنيته وخدمته، بعد أن أدى أجلّ الخدمات لمحمد علي ولإبراهيم باشا قاتله. وقد بقيت جثته ملقاة مدة يومين لا يجرؤ أحد على القيام بدفنها حتى استأذن رزق أغا حاكم الشرقية في دفنها، فأقيمت الصلاة على المعلم غالي بكنيسة أبي سيفين بزفتى ثم دفن بجوارها. ومن غير المعروف السبب الحقيقي لقتله، ولعل السبب هو مقاومة المعلم غالي لجشع إبراهيم باشا، لرغبته في تحصيل ضرائب على النخيل، بينما رفض المعلم غالي ذلك رفقًا بالمصريين لعدم إرهاقهم بتعدد الضرائب. ولكن إبراهيم باشا أصر على فرض الضرائب، فطلب المعلم غالي أن يعرض الأمر على محمد علي، فما كان من إبراهيم باشا إلا أن أجابه بإطلاق رصاص مسدسه عليه فخرّ صريعًا. ويذكر التاريخ أن محمد علي استدعى باسيليوس نجل المعلم غالي وقال له: "هل أنت حزين لموت أبيك؟" فأجابه باسيليوس: "لم يمت أبي مادام مولاي الأمير حيًا". فأُعجِب به محمد علي وأسند إليه وظيفة رئيس المحاسبة في الحكومة المصرية وأنعم عليه برتبة "بك"، وهو أول من مُنِح هذه الرتبة من الأقباط. وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 327.

عبد المسيح الأثيوبي الأب

عبد المسيح الأثيوبي الأب
راهب معاصر متوحّد، عاش في مغارة بالقرب من دير البراموس أكثر من أربعين سنة. مارس الحياة الإنجيلية بروح التواضع مع الصراحة والقوة في الحق. صادق الوحوش وتحدّى الطبيعة، ورفع قلوب الكثيرين إلى السماء، وبالحق مارس الحياة الملائكية العجيبة! الفترة القصيرة التي عاشها في القاهرة ثم في الإسكندرية قبل سفره إلى لبنان ومنها إلى أورشليم تحمل ذكريات في قلوب الكثيرين، وكلماته لازالت ترن في أعماقهم! نشأته وُلد في أوائل القرن العشرين من أبوين تقيين لأسرة غنية جدًا، بإقليم وللو Wollo في شمال أثيوبيا، وهو ينتسب للأسرة الإمبراطورية السابقة. تلقّى تعليمه الأوّلي علي أفضل المعلّمين في بلده، وكان موضع تقدير أساتذته، فكان متقدمًا في المعرفة والحكمة مع حياة فاضلة وغيرة في العبادة. رهبنته إذ أُختير لنوال مركزٍ مرموق انطلق إلى أحد الأديرة بجبال أثيوبيا، وصار راهبًا باسم "الراهب عبد المسيح". إلى دير البراموس بعد حوالي عشرة سنوات قضاها في الدير، اشتاق أن يكمل حياته الرهبانية في صحراء مصر مقتديًا بآباء البرية المصريين الأوائل. أراد أن يكون كسيده، فأصرّ أن يعبر من أثيوبيا إلى السودان، ثم إلى النوبة ومنها إلى صعيد مصر مشيًا علي الأقدام. وقد قطع هذه المسافة في تسعة أشهر وعشرة أيام. لا نعرف عن هذه الرحلة شيئًا إلا أنها بلا شك كانت رحلة رجلٍ عابدٍ للرب، يتغنى في طريقه بروح التوبة الممتزجة بالفرح، كمن هو منطلق إلى الفردوس. في أواخر 1935م بلغ إلى حدود مصر في الجنوب وقال أنه يريد أن يذهب إلى دير البراموس، وإذ لم يكن يعرف العربية لم يفهموا عبارة "براموس"، فظنوا أنه يريد "برّا مصر" أي خارج مصر. حاولوا أن يفهموه، وأخيرًا التجأوا إلى السفارة الأثيوبية فتحدث بالأمهرية وذهب إلى دير البراموس. شعر رئيس الدير (الروبيتة) بقدسية حياته وجدّية رهبنته، وإذا تقدم شخص للالتحاق بالدير سلّمه له لكي يتلمذه. لاحظ رئيس الدير أن طالب الرهبنة قام في الصباح الباكر وبدأ يملأ ماءً من البئر لرش فناء الدير وكاد أن يقضي اليوم كله هكذا. وتكرر هذا الموقف إلى أيام كثيرة. عندئذ سأل رئيس الدير أبانا عبد المسيح: لماذا لم تعلم طالب الرهبنة حفظ المزامير والتسبحة الخ.؟ أجابه: "يجب أن يتعلّم أولاً الطاعة والتواضع، لو أنه حفظ الكثير لظنّ في نفسه أنه قديس، وسقط في الكبرياء!" حياة الوحدة لم يطق أبونا عبد المسيح أسوار الدير، فخرج إلى الصحراء وأقام متوحدًا في مغارة. كثيرًا ما كان يجول الصحراء مصلّيًا ومسبّحًا الله، ولا يلتزم بالعودة إلى المغارة ليبيت. كان متى أراد أن ينام يصنع بإصبعه علامة الصليب علي الرمال من الأربعة جوانب وينام مطمئنًا، وكان في الصباح يجد آثار الحيّات وحيوانات البرية خارج الدائرة التي حوّطها بأربعة صلبان. أما إذا نام في قلايته، فكان باب القلاية عبارة عن جريدتين من النخيل علي شكل صليب يضعه علي الباب ويدخل لينام كما عند صليب رب المجد. لم يترك مغارته منذ 1935م حتى عام 1958م، عندما ذهب بغير إرادته بسبب شدة مرضه للعلاج بالإسكندرية ثم عاد بعد فترة قصيرة. نور في المغارة أثناء الحرب العالمية لاحظ الجند الإنجليز أن نورًا مشرقًا نحوهم فانطلقوا إلى حيث النور، إذ ظنّوا كمينًا قد أُقيم ضدهم. كانت المفاجأة أنهم وجدوا هذا الراهب. فتّشوا قلايته فلم يجدوا أثرًا لأي كبريت أو نور. كرّروا الأمر عدة مرات، فكانوا كلما ابتعدوا حوالي كيلومترًا واحدًا يروا النور مشرقًا بقوة، وإذ يعودوا لا يجدوا شيئًا. أحبّوه وكانوا يطلبون صلواته، وعندما تركوا الموضع قدّموا له معلبات كثيرة جدًا قام بتوزيعها علي سكان البرية من العرب. اتركوه يصلي من أجلنا! في سنة 1967م توجّه إلى قداسة البابا كيرلس، وطلب منه أن يمنع الزيارات عنه حتى لا تشغله عن وحدته وحياة التأمل. قال للبابا: "الزوار جايين يتفرجوا علي حمار". تطلّع البابا إلى الأنبا ثاوفيلس أسقف دير السريان وقال له: "اتركوه يصلّي من أجلنا، لعل الله يرفع غضبه عن العالم كلّه بصلواته". العمل اليدوي كان يؤمن بأنه "إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل" (2تس1:3). فكان يصنع الحبال من ليف النخيل ويسلّمها إلى بعض البدو الذين يقدمون له بعض الأشياء، ويقوم هو بتوزيعها علي من يطلبها منه. يسوع المسيح هو طبيبه! إذ كان مريضًا نصحه أحد الأطباء أن يأكل أطعمة ذات قيمة غذائية عالية، وقام الطبيب بتقديم بعض الأطعمة له. أما فهو فعاد وقدّمها لمرافقي الطبيب وهو يقول له: "المسيح يسوع هو طعامي، المسيح يسوع هو طبيبي، المسيح يسوع هو قوّتي". مع الحيّات والوحوش المفترسة في ديسمبر 1962م روي لي القمص متياس السرياني (حاليًا نيافة الأنبا دوماديوس) القصتين التاليتين: الأولي ذهب لزيارته أحد الآباء المتوحدين المشهورين وإذ كانا يتحدثان معًا داخل مغارته دخلت حيّة ضخمة، فبدأت عينا المتوحد تتوجه إلى الحيّة. أما هو فقال له: "يا أبتِ أتخاف من الحيّة؟ ألم يقل: "أُعطيتكم سلطانًا أن تدوسوا علي الحيّات والعقارب؟" ثم طلب منها أن تترك المغارة فخرجت. أما القصة الثانية فحدثت معه شخصيًا، فكما يعرف عنه أنه كثيرًا ما كان لا يأكل إلا الردّة المبلولة". زاره أبونا متياس السرياني فأراد أن يكرّمه جدًا فأتي بعلبة من فوارغ المعلّبات ووضع تحتها بعض الحطب الرفيع وأوقده، ثم وضع في الماء "ملوخية" جافة، ووضع عليها علبة "حلاوة طحنية" وبدأ يحركها بعصا صغيرة. بعد أن غلي الطعام قدّمه لأبينا متياس كأشهى وجبة طعام يمكن أن تقدم! التقينا معه وتحدّث معه صديقي مكرم يوسف المحامي قائلاً له: "أريد أن أتتلمذ علي يديك هنا في الصحراء"، أجابه أنت تريد أن تقفز لتصعد علي الدرجة العاشرة فتسقط وتنكسر، لا بد أن تبدأ السلم بالدرجة الأولي فالثانية الخ. من يلبس ذهبًا لا يري يسوع في بيروت إذ زاره عدد كبير من الأساقفة ورؤساء الكنائس، وكانوا يرتدون ثيابًا فاخرة وسلاسل ذهبية علي صدورهم. أمسك بطرف ثوب أحدهم وقال: "واحد يلبس ذهبًا... لا يري المسيح؛ واحد يلبس حريرًا لا يري المسيح". في أوائل الستينات زاره الأنبا ثاوفيلس مطران هرر بأثيوبيا، ومعه سفير أثيوبيا بمصر. قال للمطران: "أمّ تترك بنتها لا تعيش!" ويقصد التزام أثيوبيا بالارتباط بالكنيسة القبطية، كما أمسك بالسلسلة الذهبية وقال لهم: "لا يصح ذلك!" في نهاية الزيارة قدّما له قطعة قماش سوداء فرفضها، وإذ تركاها له، ألقي بها في الدير بعد أن ودّعهما خارج أسوار دير البراموس. ده مَلَكان! (هذا ملِك!) اشتهر أبونا عبد المسيح بالنسك، فكان يودّ أن يكون كل الرهبان والأساقفة متنسّكين. فمن الأمور المعروفة عنه توبيخه للأساقفة غير المتنسّكين. ذهب يومًا إلى دير البراموس وطلب أن يُرسلوا إليه عند حضور الأسقف، فقال له (الروبيتة): لا يمكن لأنك دائمًا توبّخ الأساقفة قائلاً: "أنت مكسور". فوعده ألا يفعل ذلك. حضر الأسقف ولم يرسلوا إليه، وإذ سمع رنّات الجرس أدرك أن الأسقف قد حضر فأسرع إلى الدير وطلب مقابلته. بدءوا يذكّرونه بوعده. ثم دخل إلى الحجرة فوجده جالسًا علي (المصطبة) وعليها سجادة فلم يحتمل المنظر، فوضع يده علي عينيه لكي لا يري المنظر وبدأ يسير إلى الوراء بظهره وهو يقول: "ده مَلَكان! ده ملكان! مش قادر! مش قادر!" وترك المكان وعاد إلى مغارته. كنت في زيارة إلى دير السريان وقيل لي أن أبانا عبد المسيح الأثيوبي بالدير. فالتقيت معه، وإذ بالمتنيح الأسقف... جاء وطلب منه أن يصلي من أجله لأنه مريض. وإذا بنا نُفاجأ به يقفز ويمسك ثوبه ويقول: "ثوب حرير مش للأسقف بل لكذا..." وكان يوبّخه علي ثوبه الحريري. ثم قال له: "أحضر الكتاب المقدس". وإذ أحضر أحد الرهبان الكتاب المقدس، قدّمه للأسقف وقال له: "اقرأ مزمور 50 (49) ابتداء من الآية 16". فقرأ الأسقف: "وللشرير قال الله: مالك تُحدث بفرائضي وتحمل عهدي علي فمك، وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك؟..." وصار يوبّخ الأسقف: "أتقول للسارق لا يسرق وأنت تسرق؟..." حتى ارتعبنا جميعنا. وإذ كان يستعد للسفر إلى القاهرة لمقابلة قداسة البابا كيرلس السادس طلب كوب شاي. وإذ رأى راهبًا قادمًا إليه بكوب الشاي قفز وجري بسرعة فائقة ونحن وراءه ثم قال له: "أنت لا تعرف أن تصنع الشاي"، ثم طلب ماءً وبدأ يسكب في الكوب ماء وملحًا حتى انسكب أغلب الشاي علي التراب ثم شرب الشاي أشبه بماء به سكر وملح، وهو يقول : "هذا هو الشاي الحسن!" انطلق نحو الرست هاوس Rest House ليركب الأتوبيس للقاهرة، وكان لا يأخذ معه مالاً، إذ كان السائقون يحبّونه ويشتهون أن يركب معهم. وإذ كان مستعدًا للقاء البابا وضع البطانية حول جسمه وأمسك بحذائه تحت إبطه. وكان يلتقي بالبابا لمدة دقيقة أو أكثر يقدم له رسالة ثم يتركه ويعود إلى الصحراء. ذهابه إلى الإسكندرية إذ التزم أن يذهب إلى الإسكندرية للعلاج بعد حوالي 23 عامًا، صار يضرب مطانيات إلى الأرض ويقَّبل أرض المغارة حتى ركب السيارة وهو يقول: "راهب يترك المغارة، عليه طقس يلتزم به". الاستعداد للرحيل عاش أبونا عبد المسيح قرابة خمسين عامًا في الرهبنة، قضي أغلبها كمتوحدٍ في مغارة بجوار دير البراموس. وإذ شعر بقرب رحيله من العالم أراد أن يموت بأورشليم، وكانت العلاقات بين مصر وإسرائيل مقطوعة وعدائية. أصرّ أن يذهب إلى القدس علي قدميه، فكان من المستحيل تحقيق ذلك لأسباب سياسية. أخيرًا اقتنع بأن يمكث في القاهرة لحين عمل جواز سفر أثيوبي له وأخذ تأشيرة دخول لبنان وسوريا ومن هناك يذهب إلى القدس. عاش قرابة سنة في حجرة تحت السلم بمبنى الكلية الإكليريكية، ثم جاء إلى الإسكندرية للسفر من الميناء البحري. أذكر عندما جاء كان يسأل: "أين يوجد الحمار؟" - ليسكن معه - قيل له: "لا توجد حمير بالبطريركية". أخيرًا اقتنع أن يسكن تحت سلم البطريركية. كان إذا ما قال له أحد: "صلِّّ لأجلي لكي يرحمنا الله"، فكان يضربه علي ظهره وهو يقول: "ربنا بيرحمنا، ونحن لا نرحم أنفسنا!" قُدم له بلح فرفض تمامًا، وطلب "البلح الذي يأكل منه الحمار"، أي الذي لا يُؤكل! إلى بيت المقدس ذهب إلى بيروت حيث قضي حوالي شهرًا ثم توجّه إلى دمشق في ضيافة بطريركية السريان الأرثوذكس. هناك أخذ تصريحًا لدخول الأردن والعبور من جسر الملك إلى الأراضي المقدسة. عند وصوله مع مرافقيه إلى نقطة الحدود يبدو أن أحد المسئولين عن الأمن من المخابرات الأردنية تشكك في أمره، فطلب تفتيشه ذاتيًا بمفرده، فوجد في ملابسه بعض الكتب. مدّ يده في صدره فوجد كتابًا بالأمهرية ورقه قديم متآكل، فألقاه علي الأرض بطريقة مثيرة. لم يحتمل أبونا أن يٌلقى بالكتاب المقدس علي الأرض فاستجمع قوته وبمنتهى الشدة صفع القائد علي وجهه حتى صرخ. استدعي القائد الراهب القبطي المرافق لأبينا، وإذ عرف ما حدث صمت لأنه من حق القائد أن يقتلهما فورًا. لكن كم كانت الدهشة حين أصدر الضابط الكبير تعليماته الشفوية إلى رجاله بالموافقة الفورية علي دخول هذا الأب ومرافقيه إلى الأردن دون انتظار. بعد فترة قصيرة بأورشليم رحل أبونا المحبوب إلى الفردوس. دكتور نشأت نجيب فرج : الأب عبد المسيح الحبشي ، 1995.

ويصا القديس

ويصا القديس
كتاباته هو التلميذ المقرب للأنبا شنودة رئيس المتوحدين وهو الذي كتب سيرته، وليس لدينا أية إشارة عن حياته، فلا نعرف أين ولد وكيف نشأ ومتى دخل الدير. ولكننا نعرف الكثير عن أفكاره وخواطره ونزعاته الروحية. لأن مؤلفاته لا تزال موجودة وأشهرها سيرة معلمه العظيم رئيس المتوحدين. كتب أيضًا الكثير من الرسائل والميامر، وفي متحف نابولي مجموعة من المخطوطات بالقبطية الصعيدية تتضمن رسائل ويصا ومقالاته. كذلك توجد مجموعة أخرى معروفة باسم "مجموعة كرزون" محفوظة في المتحف البريطاني تتألف من أحد عشر رسالة كاملة وثلاث ناقصة، وكلها من ويصا إلى رهبانه وراهباته. ومع أن كرزون ذكر أنه اشترى هذه المخطوطات من أديرة وادي النطرون إلا أنه من الواضح أن مصدرها الأصلي كان الدير الأبيض. وهذه الرسائل صورة ساطعة للأديرة التي أسسها الأنبا شنودة ثم تسلم هو رياستها من بعده، وهي أيضًا دليل قاطع على اهتمام ويصا بالرهبان والراهبات الذين ينعمون برياسته ورعايته. قد يعثر الباحثون على سيرة الأنبا ويصا وقد لا يعثرون، وفي الحالتين يكفي أن نعرف أنه أدى رسالته وثبت جدارته لخلافة معلمه الفذ شنودة. قصة الكنيسة القبطية، الكتاب الأول صفحة 481.

ابا آري الشطانوفي الشهيد

ابا آري الشطانوفي الشهيد
كان أبا آري Ariكاهنًا بقرية شطانوف التابعة لبشاتيPchati ، بشاتي بالقبطية هي "نيقيوس" مكانها حاليًا زاوية رزين مركز منوف، كانت أسقفية قديمة جدًا. اتسم هذا الأب بحياة تقوية مقدسة، وحب شديد لرعية المسيح الذي وهبه عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين، بل وكان يرى ملاك الرب عن يمين المذبح أثناء ممارسته سر الأفخارستيا (القداس الإلهي). مواجهته الأضطهاد في عهد دقلديانوس أرسل حاكم بشاتي إلى أبا آري جماعة من الجند يأتون به إليه، وإذ عاد وجد الحاكم جالسًا في منصة القضاء يحاور المسيحيين. دهش الوالي عند رؤيته للكاهن إذ شعر بمهابته، فسأله أن يذبح للآلهة فيهبه كرامات كثيرة وعظيمة. أما القديس فأخذ يستخف بهذه الوعود معلنًا إيمانه بالسيد المسيح. تعرض القديس للجلد بعنف وقسوة، فظهر له المخلص يعزيه قائلاً له: "تشجع يا مختاري أبا آري، تشجع في الجهاد الحسن، فإن ميراثًا عظيمًا محفوظ لك في السماوات مع كل القديسين من أجل أتعاب شهادتك والآلام التي سوف تتحملها من أجل اسمي"، ثم لمس السيد المسيح جسمه فشفاه. رأى الكثيرون هذا المنظر وسمعوا الحديث الإلهي فهتفوا معلنين إيمانهم، فاغتاظ الحاكم وأمر بسجنه. وفي اليوم التالي إذ اُستدعي وُجد في السجن يرتل ويسبح الله. أمر الحكم بطرحه في مرجل به زيت وأشعلوا النار تحته، لكن الله أرسل رئيس الملائكة ميخائيل وخلصه. في الإسكندرية بعثه الحاكم إلى أرمانيوس والي الإسكندرية حتى يبعده عن شعبه ولا يستميل الكثير من أهل المنطقة للإيمان، وقد تعرض هناك لعذابات كثيرة. إذ رأى السجان نعمة الله عاملة في هذا الكاهن جاء إليه بابنه الأعمى وسأله أن يصلي من أجله ويضع يديه على رأسه، وبالفعل انفتحت عينا الابن. سمع أرمانيوس بما حدث، وكيف جذب كثير من الوثنيين إلى الإيمان وهو في السجن، فاستدعاه وصار يعذبه حتى ألقاه في أتون نار متقد والرب أنقذه. صغر الوالي في عيني نفسه جدًا، وأمر بقطع رأس القديس آري. عندئذ رفع الأب القديس ذراعيه وصلى وسجد ثلاث مرات وسلم عنقه للسياف، وكان ذلك في منطقة تتيادورون Tatiadoron جنوب المدينة. بعد استشهاده حمله يوليوس في أكفان جديدة إلى شطانوف كطلب الشهيد نفسه حيث استقبله شعبه بالتسابيح. تعيد له الكنيسة في التاسع من شهر مسرى.


الأحد، 3 نوفمبر 2013

حنة القديسة

حنة القديسة
القديسة ( بالعبرية حنة ، نعمة ، وتلفظ أيضا آن أو آنا) هو الاسم التقليدي لوالدة العذراء القديسة مريم.
حنة زوجة يواكيم وأم مريم، هي الجدّة بحسب الجسد لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
هي والدة السيدة العذراء مريم والدة الإله. وكانت هذه الصدِّيقة ابنة لماثان بن لاوي بن ملكي من نسل هارون الكاهن، واسم أمها مريم من سبط يهوذا. وكان لماثان هذا ثلاث بنات: الأولى مريم باسم والدتها وهي أم سالومي القابلة، والثانية صوفية أم اليصابات والدة القديس يوحنا المعمدان، والثالثة هي هذه القديسة حنة زوجة الصديِّق يواقيم من سبط يهوذا ووالدة السيدة العذراء مريم أم مخلص العالم. بذلك تكون السيدة البتول وسالومي واليصابات بنات خالات. وإن كنا لا نعلم عن هذه الصدِّيقة شيئًا يذكر إلا أن اختيارها لتكون أمًا لوالدة الإله بالجسد لهو دليل على ما كان لها من الفضائل والتقوى التي ميزتها عن غيرها من النساء حتى نالت هذه النعمة العظيمة. إذ كانت عاقرًا كانت تتوسل إلى الله أن ينزع عنها هذا العار، فرزقها ابنة بركة لها ولكل البشر، هي العذراء مريم أم مخلص العالم

أقوال البابا القديس أثناسيوس الرسولي عن تذكرنا عمل الله معنا بالشكر والتسبيح

أقوال البابا القديس أثناسيوس الرسولي عن تذكرنا عمل الله معنا بالشكر والتسبيح


+ من يتطلع إلي رسائل القيامة التي سجلها أثناسيوس الرسولى لشعبه في خلال نصف قرن تقريبًا نجد أن النصيب ألأكبر من رسائله يتحدث في أمرين هما: الشكر لله الذي بذل ابنه من أجلنا، والتجاوب مع عمل المصلوب في حياتنا.
+ لأنه ماذا يعني العيد سوى خدمة النفس؟!
+ وما هي هذه الخدمة ألا الصلاة الدائمة لله والشكر المستمر؟! فغير الشاكرين البعيدون عن هذا هم بالحق محرومون عن الفرح النابع من هذا لأن الفرح والبهجة منزوعان عن أفواههم..
+ فالذي أخذ الوزنة الواحدة ولفها في منديل وخبأها في الأرض طرد أيضًا لتذمره وعدم شكره سامعًا تلك الكلمات (أيها العبد الشرير والكسلان عرفت إني أحصد حيث لم أزرع وأجمع من حيث لم أبذر فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة فعند مجيء أخذ الذي لي مع ربا فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر الوزنات) مت26:25.

+ لأنه عندما طلب منه أن يعطي سيده حساب الوزنة كان يلزمه أن يعرف شفقة سيده الذي أعطاه هذه الوزنة ويعرف قيمة هذه العطية...
+ لكن خدام الله الأمناء الحقيقيون لا يكفوا عن تمجيد الله إذ يعرفون أن الله يحب الشاكرين وهم يقدمون له الشكر في وقت الضيق كما يقدمون في وقت الفرح والتسبيح لله بشكر غير مبالين بهذه الأمور الزمنية (سواء كان الوقت حزن أو فرح) بل متعبدين لله إله كل الأزمنة..
+ إذن لنقتف أثار هؤلاء الرجال فلا يمر علينا وقت دون أن نشكر الله خاصة الآن فإذ نحن في شدة بسبب الهراطقة الأريوسيين الذين يضادوننا نسبح الله وننطق بكلماتالقديسين قائلين (هذا كله جاء علينا وما نسيناك (مز17:44. )
+ نعم فإننا حتى وإن كنا نتضايق محزونين فإننا نشكر الله لآن الرسول الطوباوي الذي يقدم الشكر في كل وقت يحثنا أن نسلك في نفس الطريق على الدوام بقوله "في كل شيء..مع الشكر لتعلم طلباتكم لدي الله "فى6:4..
+ وإذ يرغب منا أن نثبت على هذا الموقف يقول "صلوا بلا انقطاع أشكروا في كل شيء "1تس18، 17:5 " لأنه عارف أن المؤمنين يكونون أقوياء طالما يشكرون وأنهم يفرحون هادمين حصون الأعداء (الشياطين) كأولئك القديسين الذين قالوا "لأني بك اقتحمت جيشًا وبإلهي تسورت أسوارًا "مز29:18.
+ إذًا لنثبت في كل الأوقات خاصة الآن رغم ما يحيق بنا من أحزان وما يثيره الهراطقة الأريوسيون ضدنا..
+ دعنا إذن أيها الأخوة الأحياء نعيد بشكر هذا العيد المقدس الذي يقترب منا ممنطقين أحقاء أذهاننا متشبهين بمخلصنا يسوع المسيح الذي كتب عنه (ويكون البر منطقة متينة والأمانة منطقة حقويه "1بط13:1 "
+ لهذا ألا نعرف يا أحبائي النعمة التي تنبع علينا من قدوم العيد؟! أما نرد شيئًا لذاك الذي هو محسن علينا؟! حقًا إنه يستحيل علينا أن نرد لله حسناته علينا لكنه أمر شرير أن نأخذ الهبات ولا نعرف قيمتها.
+ والطبيعة نفسها تشهد بعجزنا لكن إرادتنا توبخ جحودنا لهذا فإن بولس الطوباويعندما كان يتحجب من عظم بركات الله قال "من هو كفؤ لهذه الأمور "2كو17:2 " لأنه قد تحرر العالم بدم المخلص وبالموت داس الموت ممهدًا طريق الأمجاد السماوية بغير عقبات أو حواجز لهؤلاء الذين ينمون..
+ لهذا عندما أدرك أحد القديسين النعمة مع عجزة عن أن يرد لله مقابلها قال "ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لي "مز2:116".
+ لأنه عوض الموت تقبل حياة وبدل العبودية نال حرية وبدل القبر وهب له ملكوت السموات.
+ لأنه منذ وقت قديم (تسلط الموت من آدم إلي موسى) أما الآن فإن الصوت الإلهي قال (اليوم تكون معي في الفردوس " وإذ يشعر الإنسان القديس بهذه النعمة يقول "لولا أن الرب كان معي لهلكت نفسي في الهاوية".
+ علاوة على هذا يشعر الإنسان بعجزة عن أن يرد للرب عن إحساناته لكنه يعرف عطايا كاتبًا في النهاية " كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو.. عزيز في عيني الرب موت اتقيائه "مز15، 13:116.
+ أما عن الكأس فقد قال الرب (أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟! ) مت22:20 ولما قبل التليمذان هذا قال لهم "أما كأسي فتشربانها.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبي "مت23:20 "
+ لهذا يلزمنا أيها الأحباء أن تكون لنا حساسية من جهة العطية حتى وإن وجدنا عاجزين عن رد إحسانات الرب إنما يلزمنا أن ننتهز الفرصة. فإن كنا بالطبيعة عاجزين عن أن نرد "للكلمة " أمور تليق به عن تلك البركات التي أغدق بها علينا فلنشكره إذ نحن محفوظون في التقوى وكيف يمكننا أن نربط بالتقوى إلا بتعرفنا على الله الذي من أجل حبه للبشر قدم كل هذه البركات؟! فإننا بهذا نحفظ الشريعة في طاعة لها سالكين في الوصايا لأنه بكوننا غير جاحدين بل شاكرين إياه لا نكون مخالفين للناموس ولا مرتبكين لأمور مكروهة لآن الله يحب الشاكرين".
+ وأيضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القديسين عندما نصف أنفسنا بأننا لا نحيا لنفوسنا بل للرب الذي مات من أجلنا كما فعل بولس الطوباوي عندما قال (مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في) .
+ إذًا ما هو عملنا يا إخوتي تجاه هذا الصنيع سوى أن نمجد الله ونشكر ملك الكل؟..!
+ لنهتف بكلمات المزامير قائلين "مبارك الرب الذي لم يسلنا فريسة لأسنانهم "مز6:124 " أي نصرنا ضد الشيطان والخطية) .
+ لنحفظ العيد بهذه الكيفية التي أشار بها إلينا مخلصنا.. حتى نقدس العيد الذي في السموات مع الملائكة..!
+ لقد كان الشعب قديمًا ينشد مسبحًا عندما يخرج من الحزن..
+ وفي أيام أستير حفظوا عيدًا للرب "أش9:3 " 21:9 " إذ أنقذوا من المنشور المهلك الذي ينادي بالموت حاسبين هذا عيدًا مقدمين الشكر للرب وممجدين إياه..
+ ليتنا نفي نذورنا للرب معترفين بخطايانا حافظين للرب في أحاديثنا وسلوكنا وطريقة حياتنا مسبحين ربنا الذي أدبنا إلي قليل لكنه لم يتركنا ولم يهلكنا... ولا ابتعد صامتًا عنا..
+ وإذ هي عادة رسولية (أن أرسل إليكم رسالة في عيد الفصح) لهذا فان أضداد المسيح وأصحاب الانشقاقات رغبوا في أن يفسدوا هذه العادة ويوقفونها لكن الله بهذا بل جدد وحفظ ما قد أمرنا به بواسطة الرسول حتى تحفظ العيد مع بعضنا البعض حافظين يومًا مقدسًا حسب تقليد الآباء ووصيتهم..
+ فليتنا لا ننسى ما قد سلمه بولس لنا.. أي عن قيامة الرب إذ يقول عنه أنه أباد الذي له سلطان الموت أي الشيطان وأنه أقامنا معه إذ حل رباطات الموت ووهبنا بركة عوض أللعنة وأعطانا الفرح عوض الحزن وقدم لنا العيد عوض النوح ذلك في الفرح المقدس الذي لعيد القيامة العيد الدائم في قلوبنا إذ نفرح به على الدوام كأمر بولس "صلوا بلا انقطاع أشكروا في كل شيء "1تس17:5 " وهكذا لا نتغافل عن أن نقدم التعاليم في هذه المواسم كما تسلمنا من الآباء.
+ مرة أخري نكتب لكي نحفظ التقاليد الرسولية مذكرين بعضنا بعضًا بالصلاة حافظين العيد معًا بفم واحد شاكرين الرب بحق.
+ وهكذا إذ نقدم الشكر للرب مقتدين بالقديسين فإن لساننا يمجد الله اليوم كله كقول المرتل. وإذ نحفظ العيد كما ينبغي نتأهل للفرح الذي في السماء.
+ فلترنم الآن بترنيمة العيد ناطقين بتسبحة النصرة.. قائلين "أرنم للرب فإنه قد تعظم الفرس وراكبه طرحهما في البحر "خر1:15 "
+ إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق "1كو8:5 "
+ وإذ نخلع الإنسان العتيق وأعماله نلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله "أف24، 22:4 " ونلهج في ناموس الله نهارًا وليلًا بعقل متضع وضمير نقي.
+ لنطرح عنا كل رياء وغش مبتعدين عن كل كبرياء ومكر.

+ ليتنا نتعهد بحب الله ومحبة القريب لنصبح خليقة جديدة متناولين خمرًا جديدًا.

+ إذًا لنحفظ العيد كما ينبغي.
+ أه يا أخوتي ما أعجب حب المخلص المملوء ترفقًا؟!
+ بأي قوة وبأي بوق يلزمنا أن نهتف صارخين ممجدين بركاته علينا؟! فلا نحمل صورته فحسب بل ونأخذ منه مثلًا ونموذجًا للتعييد السماوي وكما ابتدأ هو هكذا يلزمنا نحن أن نكمل فلا نرتعب من الآلام ولا نشتم من يشتمنا بل نبارك لأعيننا ونسلم أمورنا في كل شيء لله الذي يقضي بعدل "1بط21:2-23".
+ لأن أولئك الذين طبعوا على هذا وشكلوا أنفسهم حسب الإنجيل يكونون شركاء مع المسيح.
+ حسن يا أحبائي أن نخرج من عيد إلي عيد فان احتفالات العيد والأسهار المقدسة التي ترتفع في عقولنا تدعونا إلي حفظ السهر على التأمل في الأمور الصالحة.
+ ليتنا لا نترك هذه الأيام تمر علينا مثل تلك التي حزنا فيها إنما إذ نتمتع بالغذاء الروحي تخمد شهواتنا الجسدية.
+ بهذه الوسيلة نقدر أن نغلب أعداءنا (الشياطين والشهوات) كما صنعت يهوديت المباركة (8:13) إذ تدربت أولا على الأصوام والصلاة وبهذا غلبت الأعداء وقتلت أليفانا.
+ وعندما كان الخراب سيحيق بكل جنس أستير لم تفسد ثورة الطاغية إلا بالصوم والصلاة إلي الله وهكذا حولت هلاك شعبها إلي حفظهم في سلام "أش16:4".
+ وإذا كانت الأيام التي فيها يقتل العدو أو تباد مؤامراته تعتبر بالنسبة لهم أعيادًا... لذلك أمر موسى المبارك أن يعيد بعيد الفصح العظيم لآن فرعون قد قتل والشعب خلص وتحرر من العبودية...
+ والآن يا أحبائي.. قد ذبح الشيطان ذلك الطاغية الذي هو ضد العالم كله فنحن لا نقترب من عيد زمني بل عيد دائم سمائي معلنين إياه لا خلال ظلال (وحروف) بل في الحق لآن أولئك بعدما شبعوا من جسد الخروف الأبكم تمموا العيد وإذ مسحوا قوائم بيوتهم بالدم نجوا من المهلك أما الآن فإذ نأكل "كلمة "الأب وتمسح قلوبنا بدم العهد الجديد نعرف النعمة التي يهبنا إياها المخلص الذي قال "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو "لو19:10 " لأنه لا يعود يملك الموت بل تتسلط الحياة عوض الموت إذ يقول الرب "أنا هو الحياة "يو6:14 " حتى أن كل شيء قد امتلاء بالفرح والسعادة كما هو مكتوب "الرب قد ملك فلتفرح الأرض". لأنه عندما ملك الموت "على أنهار بابل جلسنا فبكينا "ونحن لأننا قد شعرنا بمرارة الأسر وأما الآن إذ بطل الموت وإنهدمت مملكة الشيطان لذلك امتلاء كل شيء بالفرح والسعادة..
+الأمور الباقية واضحة يا أحبائي أنه يلزمنا أن نقترب إلي عيد كهذا لا بثوب مدنس بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة. يلزمنا أن نلبس ربنا يسوعرو4:13 "حتى نستطيع أن نعيد العيد معه

+ الآن نحن نلبسه عندما نحب الفضيلة ونبغض الشر عندما ندرب أنفسنا على العفة ونميت شهواتنا عندما نحب البر لا الإثم عندما نكرم القناعة ويكون لنا عقل راسخًا عندما لا ننسى الفقير بل نفتح أبوابنا لجميع البشر عندما نعين الضعفاء وننبذ الكبرياء

أقوال القديس أوغسطينوس عن موهبة الفرح الدائم

أقوال القديس أوغسطينوس عن موهبة الفرح الدائم


من المعلوم يا أخوتي أن كل منا يطلب راحته وسروره إلا أنه لا يطلب ذلك كما يجب ولا حيثما يوجد فالأمر يتوقف على تمييز السرور الحقيقي من السرور الكاذب وبالعكس فإننا غالبًا ما نخدع بخيالات السرور الباطل والخير الكاذب.
فالبخيل والمتجبر والشره والشهواني وكل منهم يطلب السرور إلا أن هذا يضع سروره في جمع غنى وافر وذاك في شرف الرتب والكرامات وهذا المأكل والمشارب اللذيذة وذاك في أن إشباع شهواته النجسة ليس منهم من يطلب سروره كما يجب ولا حيثما يوجد من ثم لا يجده أحد منهم رغم أن الكل يشتهونه.
أحبب خيرًا واحدًا يحوي جميع الخيرات ففيه وحده تجد الكفاية. فكل ما هو في العالم لا يقدر أن يشبع النفس ويخول لها سرورًا حقيقيًا فلماذا إذًا تتعب أيها الإنسان الغبي وطوف باطلًا في أماكن كثيرة متوقعًا أن تجد خيرات تملأ بها نفسك وترضي بها جسدك ؟!!

+ استرح إلي الخير الواحد العظيم العام ففيه الكفاية عن كل شيء. وأما أنت يا نفسي فباركي الرب الذي يشبع بالخيرات عمرك (مز5، 2:103) .
+ (حبل وجعًا وولد إثمًا) "مز15:7". إنك لا تزال متعبًا قلقًا إن أحببت شيئًا أخر غير الذي لا يستطيع أحد أن ينزعه منك.
+ من طلب فرحة في ذاته يجد حزنًا فإن جعلت سرورك في أن تباشر تلك الوظيفة وتسكن في ذلك المكان وما يشبه ذلك فإن سرورك هذا يمكن لرئيسك أن ينزعه عنك وبالنتيجة لا تكون مسرورًا قط.
وإن جعلت سرورك في بعض الأشياء التي توافق هواك الآن أوفي أشياء أخري زمنية فإنها سريعة التغير وإن لم تتغير هي فأنت قابل للتغيير فما تسر به اليوم يمكن أن تكرهه غدًا.
كيف لا ونحن نري الشعب الإسرائيلي (الشرير) كره المن الذي كان يجد فيه كل ما يحتاج إليه ويشتهيه ولما نجا من عبودية فرعون ضجر من الحرية واشتاق إلي العبودية وأشتهي بصل مصر!!! فلن تستطيع أن تفوز بالسرور قط ما دمت تجعله في ما يمكن أن يشوبه التغيير. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى).
فإن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا إلتصق بالله السرمدي ذاك الذي لا يعتريه تغيير بل يستمر ثابتًا على حال واحد إلي الأبد.
+ إنك يا إلهي جعلت (النفس البشرية) قادرة على أن تسع جلالك غير الحدود لئلا يكون شيء أخر يقدر أن يملأها سواك.

إلهي إنك صنعتنا لأجلك ولذلك لا يزال قلبنا مضطربًا قلقًا. عديم الراحة على الدوام حتى يستريح فيك.